فى الطريق إلى 25 يناير 2011، ظل حبيب العادلى وزير داخلية «المخلوع» حسنى مبارك، يطمئن رئيسه بأن الأمور كلها تحت السيطرة
فى الطريق إلى 25 يناير 2011، ظل حبيب العادلى وزير داخلية «المخلوع» حسنى مبارك، يطمئن رئيسه بأن الأمور كلها تحت السيطرة، «كله تمام يا ريس.. ما تقلقش.. شوية عيال عاملين دوشة على مواقع التوصل الاجتماعى متأثرين بأحداث تونس.. بس رجالتك مسيطرين.. ومصر مش تونس».
لم يكن العادلى ولا باقى رجال العائلة الحاكمة، يتوقعون أن تشتعل ثورة، تطيح بهم.. فمفاتيح الدولة كلها فى جيب «أمن الدولة»، الكل يمر من «خرم إبرة» الجهاز.
تفوقك وحده لا يكفى لتعيينك معيدا فى الجامعة، أو لصعودك سلم هيئة التدريس «لازم تكون بتاعهم وتسلم أصدقاءك تسليم أهالى عشان تترقى».
تقرير «أمن الدولة» بوابتك إلى «سلك القضاء، والصحافة القومية، وماسبيرو، والبنوك»، وباقى وظائف الدولة العليا والدنيا، من الجهاز المركزى للمحاسبات وصولا إلى «التربية والتعليم» و«الأوقاف».. مهما بلغت كفاءتك لن تصبح محافظا، أو رئيس حى، إلا مشمولا برضا حضرة الضابط مسئول الملف، بيده الأمر وهو على كل شىء قدير.
الشبكة وسعت، لهم فى كل «خرابة عفريت»، وفى كل مصلحة مخبر.. السيطرة الأمنية «الوهمية» طالت كل «شبر فى الدولة»، ولم تسلم منها «دكاكين المعارضة»، رؤساء الأحزاب يجلسون على مقاعدهم عبر لجنة صفوت الشريف، والجماعة «الربانية» نايمة فى أحضان اللواء حسن عبدالرحمن رئيس الجهاز الأسبق، تجرى اجتماعاتها وانتخاباتها برعايته، وتحصل على «كوتتها» من مقاعد المجلس الموقر، بعد مفاوضات شاقة مع اللواء أحمد رأفت، المكنى بالحاج مصطفى رفعت، مسئول ملف الجماعات الدينية بالجهاز، «ألف رحمة ونور عليه».
حتى الكنيسة القبطية تحولت فى عصر «المخلوع» إلى ملف من ملفات «أمن الدولة». وكان رأس الكنيسة الراحل البابا شنودة يتندر من مستوى الضابط الذى يتواصل معه، وطالب أكثر من مرة برفع رتبته، وفقا لما رواه لى أحد محدثيه.
السيطرة الأمنية «الوهمية»، أعطت انطباعا للقيادة السياسية بأن الدولة فى «جيبهم»، وهو ما ثبت زيفه فى 25 يناير 2011، «كل شىء انكشف وبان»، سقطت خطة الخداع الاستراتيجى التى مارستها أجهزة العادلى، عجلة الثورة دارت أسرع مما يتوقعون.. انهارت المنظومة الأمنية الهشة «فى 6 ساعات»، بدأت عقب صلاة جمعة 28 يناير، وانتهت مع حلول ليل نفس اليوم، وهلت بشائر النصر مع نزول مجنزرات القوات المسلحة إلى الشوارع.
مرسى ابن الزناتى انهزم يا رجالة.. البهوات قلعوا الميرى وروحوا.. الشارع تحت سيطرة الشعب وجيشه.. مبارك يبحث عن مخرج سياسى.. بس بعد ايه خلى الأمن ينفعك.. كان من الأول.. لا نفعه «لم أكن أنتوى.. ولا خلاص فهمتمكم».. ارحل يعنى إمشى ياللى ما بتفهمشى.. الشعب أسقط النظام.. مبارك رحل.. مبارك رحل».
خلال مشاركته فى احتفالية ذكرى المولد النبوى الشريف، قال الرئيس عبدالفتاح السيسى مخاطبا الشعب: «لو عاوزينى أمشى هامشى من غير ما تنزلوا، بشرط أن تكونوا كلكوا عايزين كده».
وأضاف: «جئت بإرادتكم واختياركم وليس رغما عنكم»، متسائلا: «لماذا تطالب مجموعة بثورة جديدة فى 25 يناير؟ هل تريدون أن تضيعوا هذا البلد وتدمروا الناس والعباد وأنتم لستم بحاجة إلى تنزلوا».
كلام الرجل يعبر عن حالة من القلق، حتى لو أكد أنه «لا يخاف من أحد ولكن كل خوفه على المصريين»، مبعث هذا القلق تقارير الأجهزة الأمنية، التى عادت تمارس هوايتها فى جمع مفاتيح أبواب الدولة من الجامعات إلى المحليات وصولا إلى البرلمان.
تغليب الأمن على السياسة والاقتصاد وباقى الملفات، انتهى بسقوط مبارك.. «الأجهزتية»، يثيرون مخاوف السيسى بهدف إطلاق يدهم، وفرض هيمنتهم على مؤسسات الدولة بدعوى تحقيق الاستقرار.. «نحن أو الفوضى»، وكأن درس يناير تسرب من «خرم فى كتاب التاريخ».
*ينشر هذا المقال بالتزامن في جريدة الشروق المصرية وبوابة العين الالكترونية*
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة