أصول التقويم الأمازيغي.. روايات مختلفة لتاريخ واحد
مع اقتراب العام الأمازيغي الجديد، خاصة في الأعوام الأخيرة، يطفو على سطح المشهد الثقافي في الجزائر الجدل حول أصول التقويم الأمازيغي
يحتفل أمازيغ شمال أفريقيا هذه الأيام بالعام الأمازيغي الجديد 2969، المعروف بـ"يَنّاير"، بطقوس ومراسم مختلفة تترجم الموروث الحضاري لتاريخ يعود إلى عدة قرون.
- رأس السنة الأمازيغية في الجزائر.. موسيقى فلكلورية ولباس تقليدي
- أسبوع التراث الثقافي.. أنشطة تبرز عادات وتقاليد أمازيغ الجزائر
ومع اقتراب المناسبة خاصة في الأعوام الأخيرة، يطفو إلى سطح المشهد الثقافي في الجزائر، الجدل حول أصول التقويم الأمازيغي، وعن تاريخ الـ12 من يناير/ كانون الثاني كأول يوم في العام الأمازيغي، الذي اختلف حوله المؤرخون والباحثون.
وقال الدكتور ناصر جابي، أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة الجزائر في حديث لـ"العين الإخبارية": "إن الأمر يتعلق بمعطيات دقيقة لا يوجد اتفاق حولها، وستبقى دائماً موضوعاً للنقاش، ويجب أن تبقى من تخصص الباحثين والمؤرخين من خلال دراساتهم وأبحاثهم، ولا يجب أن تُترك في متناول فتاوى عامة الناس".
رغم قلتها، تباينت الدراسات والأبحاث التاريخية والعلمية، سواء في منطقة شمال أفريقيا أو الأوروبية، حول التقويم الأمازيغي، وتاريخ بداية العام الأمازيغي، وانقسم المختصون بين 3 روايات.
الطبيعة والموسم الفلاحي
- "كوكو".. مملكة أمازيغية بالجزائر تحدت العثمانيين قبل 500 عام
- كتب بالأمازيغية في معرض الجزائر الدولي للكتاب للمرة الأولى
ومما جاء في كتابه أيضاً، أن تقويم الأمازيغ يرافق وتيرة دورة الحياة النباتية المعتمدة في حساب الوقت بين فصلين على تطور القمر، وهي الفترة التي تنتقل من انقلاب إلى آخر، وتسمى عند سكان منطقة القبائل الجزائرية بـ"ثيبورين أوسقاس"، أو "أبواب السنة"، بحسب ما ذكره الكاتب الفرنسي.
وأشار الكاتب إلى أن هذا التقويم الأوّلي كان "مرافقاً لوتيرة الحياة الزراعية عند الأمازيغ، ويبدأ مع الحرث في الفصل الأول وهو الخريف".
وفي بعض المناطق بدول المغرب العربي لا يزال الأمازيغ يحتفلون برأس السنة الأمازيغية بوضع عصي من القصب في حقولهم، ويعتبرون ذلك "تفاؤلاً بمحصول زراعي وفير".
ويرى الباحث التونسي أحمد الولهازي، في دراسة بحثية نشرها عام 2014، أن طقوس الاحتفال بالسنة الأمازيغية تشير إلى "مدى ارتباط الإنسان الأمازيغي القديم بأرضه، ومدى اندماجه في الطبيعة، من خلال ممارسة بعض التعبيرات التي يُرجى منها إبعاد شبح الجوع والتماس الخير والسعادة التي لا تكون بالنسبة للإنسان الأمازيغي إلا بوفرة المحاصيل".
ويضيف: "بداية العام تشكل نهاية وخاتمة للمؤونة الماضية، وبداية التحضير للمحصول القادم"، كما أن "التقويم الأمازيغي من بين أقدم التقويمات التي استعملها البشر على مر العصور، واستعمله الأمازيغ منذ أن اكتشف الزراعة، وما رافقها من اهتمام بالظواهر الطبيعية والفلكية، وما تخلفه من تأثيرات على الأرض".
كما ذكرت الدراسة البحثية أن "أول يوم في العام الأمازيغي هو تاريخ يفصل بين زمنين طبيعيين، وهما زمن البرد والاعتدال الذي يصادف عادة بداية تجديد الطبيعة دورتها الحياتية، أو ما يعرف بخروج الليالي البيض ودخول السود"، وهو المصطلح الشائع في تونس والمغرب.
غير أن العالم الأندلسي العربي محمد بن أحمد بن العوام الإشبيلي، الذي اشتُهر بعلم النبات وعلم الحيوان والفلك والطب، لم يُشر في كتابه "كتاب الفلاحة" الذي يُعتقد أن تأليفه يعود إلى نهاية القرن الـ12 ميلادي، إلى ارتباط هذا التقويم بأي عرق، سواء الأمازيغي أو العربي أو الأفريقي أو الأندلسي، كما ذكر الدكتور رشيد الإدريسي، أستاذ مناهج النقد الحديث في جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء المغربية، في دراسة بحثية له نشرها في يناير/ كانون الثاني 2018.
ويُرجع "الإدريسي" أصول التقويم الأمازيغي إلى فترة الاستعمار الفرنسي، وذكر بأنه "كان من مصلحته أن يقيم نوعاً من التمييز بين المغاربة بهدف تحقيق مشروعه المتمثل في التفرقة من أجل السيادة على الوطن وإدامة وجوده"، وهو الرأي الذي يتقاسمه معه باحثون جزائريون.
التقويم اليولياني الروماني
- "الجَبَّة القبائلية".. أصالة أمازيغية جزائرية صنعت زيا فريدا
- لباس "القَّشَّابِيَّة".. "مدفأة" رجال الجزائر في الشتاء
ويرى بأن تسمية "ينّاير" مستمدة من الكلمة الرومانية "Janvier"، والأمر ذاته مع اللغة العربية "يناير"، مستشهداً أيضاً بعدم نطق حرف "J" في اللغة الرومانية القديمة.
أما عن معنى كلمة "Janvier"، فيشير الباحث إلى أنها "مشتقة من اسم الإله الروماني جانوس (Janus)، وهو إله البوابات والمداخل والممرات والمخارج في الميثولوجيا الرومانية".
انتصار "شيشنق" الأمازيغي على "رمسيس الثاني" الفرعوني
وتذكر الدراسات التاريخية أن احتقال الأمازيغ برأس السنة الأمازيغية لم يرتق إلى مرحلة التأريخ بشكل رسمي إلا في سنة 950 قبل الميلاد، وهو تاريخ انتصار "شيشنق" على "رمسيس العظيم" في 12 يناير/ كانون الثاني، وإن اختلفت أيضاً الروايات حول المكان الذي جرت فيه المعركة.
الرواية الأولى تحدثت عن منطقة "بني سنوس"، الواقعة بالقرب من محافظة تلمسان بغرب الجزائر، كمكان لوقوع المعركة، وتعتبرها "أول حرب في تاريخ الإنسانية يخوضها شعب لتحرير أرضه، وحدثاً هاماً في التاريخ الأمازيغي القديم، ومن ثم صعود شيشنق إلى عرش الحكم الفرعوني".
وإن وجدت هذه الرواية من يدحضها، مثل الأستاذ الجزائري العيد جرمان، المختص في التاريخ، من خلال دراسة بحثية نشرها عام 2013، وجاء فيها: "لا يقول عاقل إن الفراعنة ملكوا يوماً ما يعرف بشمال أفريقيا ولا غرب الجزائر ولا شرقها".
أما الرواية الثانية، فتشير إلى أن مكان وقوع المعركة بين جيشي "شيشنق" و"رمسيس الثاني" كانت في مدينة الأقصر المصرية، ويستدل على ذلك الباحث التونسي أحمد الولهازي في دراسته البحثية بالنقوش التاريخية المحفورة على أعمدة معبد الكرنك بمدينة الأقصر، التي توثق لهذا النصر العسكري، وكانت بداية لحكم شيشنق لمصر وتأسيسه الأسرة الفرعونية الثانية والعشرين، كما جاء في الدراسة، وهي الأسرة التي امتد حكمها من 950 قبل الميلاد إلى 817 قبل الميلاد.
كما اختلفت الروايات حول أصول القائد "شيشنق" بين ما تقول إنه أمازيغي من جنوب ليبيا، واشتُهر بالعدالة وأخذ حق المستضعفين عندما كان ملكاً على قبيلته، ونجح في توحيد مصر وضم فلسطين إليها.
ومنها من تحدثت عن أصوله المصرية الفرعونية، وأنه لا علاقة له بالأمازيغية "إلا بوصف جده الخامس، وبأنه فرعوني بلغته ومصاهراته ولباسه ورموزه وعاداته وملامحه"، كما ذكر الباحث المغربي الدكتور رشيد الإدريسي في دراسته البحثية.
أصل 12 يناير في الجزائر
وفي الوقت الذي تختلف فيه دول المغرب العربي في الاحتفال برأس السنة الأمازيغية ما بين 12 و13 و14 يناير/كانون الثاني من كل عام، فإن الجزائر أقرت في نهاية 2017 يوم 12 يناير/ كانون الثاني، أول يوم في السنة الأمازيغية، التي احتفل أمازيغ الجزائر وشمال أفريقيا هذه المرة بعامها الـ2969.
- بالصور.. أمازيغ شمال أفريقيا يحتفلون برأس السنة الجديدة 2969
- بوتفليقة يغازل الأمازيغ: "رأس السنة" عطلة مدفوعة الأجر
ومن خلال البحث الذي أجرته "العين الإخبارية" عن أصول تاريخ الـ12 يناير/ كانون الثاني ليكون أول يوم في السنة الأمازيغية بالجزائر المسمى بـ"عيد ينّاير"، فقد توصلت إلى أن الباحث الجزائري عمار نقادي، المنحدر من منطقة "الشاوية الأمازيغ" شرقي الجزائر، هو أول من وضع التقويم الأمازيغي، وكان ذلك عام 1980.
الباحث عمار بقادي الذي اهتم بتصميم التقويم الأمازيغي، نشر بحثاً عام 1980 عن طريق جمعيته "ثديوت نآغريف آمازيغ"، أو "اتحاد الشعب الأمازيغي"، وجاء فيه "أول مرة نُشر فيها ووُزع تقويم أمازيغي كان سنة 2930 أمازيغي أي سنة 1980 ميلادي من قبل جمعية اتحاد الشعب الأمازيغي، إذ إن المبادر بهذا التقويم الشهير تقويم بسيط جداً ومتواضع تبعاً لإمكانياتنا في ذلك الوقت".
واعتمد الباحث الجزائري في بداية التأريخ للسنة الأمازيغية على رواية وصول "شيشنق الأمازيغي" لحكم مصر، وجعل من يوم 12 يناير/ كانون الثاني، ومن سنة 950 قبل الميلاد منطلقاً لها.
تقويم الباحث والناشط الأمازيغي الجزائري عمر بقادي قوبل بانتقاد وتشكيك من بعض الباحثين، وتساءل بعضهم عن تقويم نشأ قبل 39 عاماً.
ومن بين هؤلاء، الأستاذ الجزائري العيد جرمان، المختص في التاريخ، من خلال دراسته البحثية التي نشرها عام 2013، إذ يرى أن احتفال الجزائريين بتاريخ الـ12 يناير / كانون الثاني كأول أيام السنة الأمازيغية بأنه "خاطئ"، مُرجعاً ذلك إلى اعتماد عمر بقادي على التقويم المسيحي "الذي تغيرت رزنامة تاريخه بانتقاص 11 يوماً".