"انفجار بيروت".. كيف يمكن دعم المتضررين نفسيا؟
استشاري طب نفسي يتحدث عن الآثار النفسية لانفجار بيروت على المواطنين ويقدم نصائح لكيفية مساعدة المتضررين لتخطي الحادث الأليم.. طالع التفاصيل
انفجار مدوٍ تبعته نيران وصلت عنان السماء والتهمت مئات المباني التجارية والسكنية، شوارع مدمرة يغطيها الركام، أشخاص تحت الأنقاض وآخرون يهرولون في فزع، مستشفيات اكتظت بالجرحى ومصابون لا يجدون مكاناً للعلاج، مئات المشاهد التي خلدتها الكاميرات لانفجار هز بيروت والعالم أجمع.
تفاصيل الليلة الدامية التي عاشها ملايين اللبنانيين، الثلاثاء، بعد انفجار مستودع يحتوي على 2750 طناً من نترات الأمونيوم داخل مرفأ بيروت، مخلفاً عشرات القتلى ومئات المصابين، لن تمحى بسهولة من ذاكرة كل من عايش الكارثة، سواء على أرض الواقع أو من خلال وسائل الإعلام.
الدكتور وائل فؤاد، استشاري أول الطب النفسي وعلاج الإدمان في مصر، تحدث عن الآثار النفسية لانفجار بيروت على المواطنين، وكيف يمكن مساعدتهم لتخطي الواقعة الأليمة.
نوبات هلع
قال فؤاد لـ"العين الإخبارية" إن في الطب النفسي ما يسمى بـ"كرب ما بعد الصدمة"، وهو اضطراب يحدث بعد الأزمات والكوارث الضخمة، مثل الكوارث الطبيعية كالزلازل والبراكين أو الانفجارات المريعة وغيرها، ما يتسبب للمتضرر في أثر نفسي بالغ الشدة قد يمتد لسنوات عديدة.
وأضاف أن هذا الأثر النفسي السيئ يتمثل في أعراض اكتئاب وخوف وقلق وتوتر، موضحاً أن أحياناً تحدث نوبات هلع باستمرار عند استرجاع الواقعة "فلاش باك" أو الشعور بنوع من المعايشة، وتتمثل أعراضه في خوف شديد وعدم انتظام ضربات القلب وضيق أو صعوبة في التنفس وتعرق.
وتحدث فؤاد عن أضرار نفسية متقدمة قد تحدث للمتضرر، قائلاً إن بعض الأشخاص الذين يشعرون بخوف شديد عند تذكر الواقعة قد يحدث لهم ما يسمى علمياَ بـ"السلوك التجنبي"، أي أنه لا يستطيع الذهاب لمكان الحادث، أو مشاهدة أي لقطات تشبه ما عايشها أو أي أمور أخرى تذكره بالحادث لفترة قد تتخطى 3 سنوات.
وتابع: "بعض المتضررين قد يستمر معهم الأثر النفسي للحادث لآخر العمر، لكن بشكل عام الأثر يقل مع الوقت وطبقاً لقوة الدعم النفسي الذي يتلقاه الشخص بعد الصدمة".
الدعم العاجل
عن كيفية مساعدة المتضررين من حادث انفجار بيروت لتخطي مثل هذه الكوارث، قال الاستشاري النفسي إن هناك نوعين من التعامل، الأول هو العاجل والآخر يسمى بـ"الخطة طويلة الأمد".
وتحدث عن النوع العاجل قائلاً: "أي شخص يتعرض لصدمة أو كارثة كبرى يحتاج نوعاً من أنواع التدعيم النفسي والتطمين العاجل والمكثف، سواء عن طريق فرق تقدم الدعم المباشر أو بطرق غير مباشرة عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي".
وأضاف أن في أزمة بيروت، قدمت الحكومات العربية التطمين النفسي للشعب اللبناني عبر وسائل إعلامها في صورة مؤازرة ودعم مادي وطبي وما إلى ذلك، فيما قدمته الشعوب العربية عبر مواقع السوشيال ميديا في صورة تعازي ومواساة، والهدف من ذلك أن يشعر المتضررون بالتضامن ووجود من يقف بجوارهم.
عيادات المتضررين
وأوضح فؤاد أن الخطة طويلة الأمد للتعامل مع "كرب ما بعد الصدمة" تكون عن طريق إقامة عيادات للمتضررين، مثل ما حدث في الكويت بعد غزو العراق مثلاً، حيث عانى الشعب من هزة نفسية.
وتابع: "أحياناً لا يحتاج المتضررون للدعم النفسي فقط، إذ تتطور الأمور لدى البعض وتصل حد وجود خلل كيميائي في المخ يستلزم وصف مضادات اكتئاب وأدوية أخرى لاسترجاع الهدوء النفسي".
واستطرد بقوله: "أيضاً بعض الأشخاص المهيئين نفسياً وبيولوجياً قد يصل معهم الخلل لدرجة الجنون أو يفقدون جزءاً من الوظائف العقلية، فيبدأ الشخص بالشعور أن هناك من يراقبه أو يسمع ضالات وهلاوس تسيطر عليه؛ لذا لابد من اتباع خطة التعامل طويل الأمد".
فقدن الأمان
الاستشاري المصري تحدث عن أهمية الدعم المادي في وقت الكوارث كونه يُترجم نفسياً، وقال: "يشعر المتضرر أن هناك من يسانده ويدعمه، وأعتقد أن أهم صور مؤازرة الشعب اللبناني حالياً هو الدعم المادي لأن الانفجار أسفر عن فقد في كل شيء، الأرواح والأموال والبنية التحتية والثروات، وهذا النوع من الدعم مهم للشعور بالأمان أيضاً".
وأضاف: "الإحساس بالأمان الشعور الأول الذي يجب أن يصل للمتضرر كونه يعاني من فقدانه، ما يؤدي لحدوث (فلاش باك) وأزمة نفسية تمتد لفترة طويلة، وهناك شعوب تغيرت طبيعتها النفسية عندما حدثت أزمات كبرى لها ولم تجد الأمان، فأصبح أهلها عدوانيين ومشاكسين بعدما كانوا لطفاء بسبب فقدان الأمان في لحظة ما".
بشأن مساعدة الأطفال لتخطي ذكريات الأحداث المؤلمة، قال إنه يمكن اتباع الأسلوب ذاته السابق شرحه لكن باختلاف الوسائل، مثل الاستعانة بالحفلات الفينة والفرق التي تقدم عروضاً مبجة وغيرها من الطرق، معتبراً أن الإعلام يلعب دوراً كبيراً في هذه المواقف؛ ليسهم في منحهم الشعور بالأمان والمؤازرة.