فاتورة كورونا الصادمة.. خسائر ضخمة للعمالقة وانهيار أكبر الاقتصادات
أكبر اقتصاد في أوروبا يكشف عن هبوط تاريخي بنسبة 10.1% في ناتجها المحلي في الربع الثاني، فيما أعلنت أمريكا دخول اقتصادها الركود رسميا
خسائر بالمليارات لدى شركات النفط والطيران والسيارات، وأخيرا انهيار حاد في الناتج المحلي الإجمالي لأكبر اقتصادات العالم بصدارة أمريكا.. هذه حصيلة صادمة أعلنتها الحكومات وكبرى الشركات الخميس، والتي تكشف فاتورة الوباء الثقيلة على الاقتصاد العالمي، وأصبح معها الانتعاش المحتمل محل شكوك.
لقد جاءت الأرقام صادمة، إذ كشفت ألمانيا، أكبر اقتصاد في أوروبا، الخميس عن هبوط تاريخي بنسبة 10.1% في ناتجها المحلي الإجمالي في الربع الثاني، في حين سجلت المكسيك تراجعاً بنسبة 17,3% هو الأعلى في تاريخها.
في هذه الأثناء، سجل الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي خلال الفترة نفسها انخفاضا بنسبة 32.9% تقريبا.
وهي فترة الثلاثة أشهر الثانية على التوالي التي يسجل فيها أكبر اقتصاد عالمي انكماشا، ما يعني دخوله بمرحلة ركود، وذلك وفق تقديرات أولية نشرتها وزارة التجارة الأمريكية الخميس.
لكن يجدر التأني في المقارنة، إذ يسجل الأمريكيون التطور بمعدل سنوي يقارن الناتج المحلي الإجمالي بالربع السابق من العام نفسه، ويعرض التطور على مدار العام على أساس هذا المعدل، ومن ثم يميل إلى تضخيم الاختلافات، أما مقارنة بالربع الثاني من عام 2019 فقد بلغ الانخفاض 9,5%.
وقال لودوفيك سوبران كبير الاقتصاديين لدى أليانز لوكالة فرانس برس "الناتج المحلي الإجمالي هو مرآة الرؤية الخلفية، إنه يبين لنا قعر المنحنى، الثقب الأسود للأزمة".
وبالإضافة إلى الركود الشديد في الولايات المتحدة ارتفعت طلبات الحصول على إعانات البطالة الأسبوعية الجديدة إلى 1,43 مليون طلب خلال الأسبوع الماضي في مجمل البلاد.
في سلسلة النتائج التي نشرت الخميس، خرجت كبرى اقتصادات "العالم القديم" في صورة مهتزة، في حين ينتظر أن تنشر أبل وفيسبوك وأمازون وألفابت، عمالقة التكنولوجيا الأمريكية، تقاريرها ربع السنوية في غضون ساعات.
لقد خفضت شركات النفط قيمة أصولها مع الانهيار المتواصل لأسعار النفط الخام والانخفاض التاريخي في الطلب، مع خسائر فادحة في الربع الثاني تبلغ 8.4 مليار دولار لشركة توتال و18.,1 مليار دولار لشركة شل الإنجليزية الهولندية.
غير مسبوق
وتدفع صناعة الطيران أيضا ثمنا باهظا للأزمة، في حين لا يُتوقع أن تعود الحركة الجوية إلى طبيعتها قبل عام 2023.
وأعلنت شركة إيرباص الأوروبية لتصنيع الطائرات الخميس عن خسارة صافية قدرها 1.9 مليار يورو في النصف الأول من العام.
واستخدم العملاق الأوروبي نحو 12.4 مليار يورو من احتياطها النقدي خلال الأشهر الستة الأولى من العام وخفض معدلات إنتاجها بنسبة 40%.
وتخطط منافستها الكبرى بوينج لزيادة التخفيض في معدلات إنتاجها وتسريح مزيد من الموظفين ووقف إنتاج طائرة "جمبو جيت" 747 الأسطورية في عام 2022.
وقد خسرت في الربع الثاني ما مجموعه 2.4 مليار دولار.
كما تعطلت صناعة السيارات مع إغلاق المصانع ووكالات بيع السيارات خلال فترة العزل.
أكبر خسائر في السيارات
وسجلت شركة رينو الفرنسية في النصف الأول من العام أكبر خسارة صافية في تاريخها بلغت 7.3 مليار يورو، متأثرة بشريكتها اليابانية نيسان وتراجع الأسهم.
وأعلنت في نهاية مايو/آيار شطب 15 ألف وظيفة.
وأعلنت شركة فولكسفاجن الألمانية العملاقة عن خسارة قبل الضرائب بلغت 1.4 مليار يورو في النصف الأول.
في مجال النقل بالقطارات، أعلن شركة القطارات الفرنسية عن خسارة من 2,4 مليار يورو في حين تشهد شركة دويتشه باهن الألماني أسوأ أزمة في تاريخها مع خسائر بقيمة 3,7 مليار يورو.
وخفف الرئيس التنفيذي لشركة رينو لوكا دي ميو من عبء الأزمة بقوله إن "الوضع غير مسبوق، لكنه لن يدوم"، متوقعا انتعاش السوق ولكن بأي شكل؟ إذ يتوقع أن تكون العودة إلى الوضع الطبيعي بطيئة، وقطاع السيارات مثل النقل الجوي يخضع لضغوط بيئية متزايدة.
وفي ألمانيا يتوقع الاقتصاديون انتعاشاً سريعاً بعد كبوة.
ويؤكد كارستن برجسكي الاقتصادي لدى بنك "آي أن جي"، أن "الاقتصاد الألماني قد تعافى بالفعل".
تباين في الصناعة
في القطاع الصناعي، كشفت الشركات الكبيرة أيضًا عن حصيلة كئيبة إذ سجلت شركة صناعة الصلب "أرسيلوميتال" خسارة صافية قدرها 559 مليون دولار في الربع الثاني.
وأبدت صناعة المواد الغذائية مقاومة أفضل بقليل.
ونشرت شركة نستله العملاقة السويسرية ربحاً صافياً نصف سنوي بنسبة 18.3%، تحت تأثير عمليات بيع.
وجاءت الأخبار السارة القليلة من قطاعي التكنولوجيا والأدوية.
وسجلت سامسونج الكورية الجنوبية الرائدة عالميًا في الهواتف المحمولة وبطاقات الذاكرة ارتفاعَ صافي أرباحها ربع السنوية بنسبة 7.3%.
وهناك شركات سجلت تحسناً مثل "يو بي أس" الأمريكية للشحن مستفيدة من الزيادة في عدد الطرود المطلوبة، أو بروكتل أند جامبل، مستفيدة من الطلب المتزايد على منتجات التنظيف.
في حين حقق المختبر الفرنسي للأدوية إبسن صافي أرباح نصف سنوي بارتفاع طفيف بنسبة 1%، على سبيل المثال.
وحذر كبير الاقتصاديين لدى أليانز، من أن "هذه الأزمة داروينية تماماً، فهي تؤثر على البلدان والقطاعات بشكل مختلف للغاية".
وتابع: بعد صدمة توقف النشاط الأولى، "يتعين على القطاعات الضعيفة بالفعل من حيث الربحية أن تتكيف مع تغير بطيء في بيئة الأعمال".
وقال إن "بعض الشركات لن تصمد: فإما أن تغير نموذج أعمالها بسرعة كبيرة، وهذا يتطلب الاستثمار، أو أنها ستختفي ببطء ولكن بشكل أكيد، لأن نموذجها لن يعود ملائماً للتغير في الاستهلاك" و أولويات الحكومات.
وأضاف أنه على العكس من ذلك، "كشفت هذه الأزمة عن دوافع حقيقية للنمو تتمثل في اقتصاد المعرفة والاقتصاد الرقمي" والبيع عبر الإنترنت، ولكننا "نتحدث عن عدد قليل من الشركات".
ولا ينبغي، وفقاً له، أن يعتمد "التعافي الأخضر" مثل الذي تجري الدعوة إليه في أوروبا على تدخل الدولة فقط مؤكدا أنه: "لا يمكننا إنشاء اقتصاد مزيف لفترة طويلة جداً".
الكبري تنزف خسائر
وفي قطاع النفط، تضررت جميع شركات الطاقة الكبرى بشدة جراء تأثيرات كوفيد-19 وإجراءات العزل العام الهادفة لمنع انتشاره، مما قوض الطلب وأضعف توقعات أسعار الطاقة.
وقلصت إيني الإيطالية توزيعاتها للأرباح وأعلنت عن تخفيضات إضافية للإنفاق بعد أن تحولت إلى تكبد خسارة صافية معدلة فيما وصفته بأسوأ فصل على الإطلاق لقطاع النفط والغاز.
وأعلنت إيني، عن تكبد خسارة صافية معدلة 714 مليون يورو (839 مليون دولار) في الربع الثاني مقارنة مع أرباح بقيمة 562 مليون دولار قبل عام، وذلك بعد أن أشارت بالفعل إلى شطب أصول خلال الفترة.
تقليص النفقات
وقالت الشركة، التي خفضت توقعات الإنتاج للعام، إنها ستقلص النفقات والاستثمارات إلى نطاق عند 8 مليارات يورو خلال السنوات الأربع المقبلة.
كما استحدثت الشركة سياسة جديدة للتوزيعات مرتبطة بسعر برنت، لتعرض حدا أدنى 0.36 يورو.
وبناء على التصورات الحالية للأسعار يشير ذلك إلى توزيعات بقيمة 0.55 يورو هذا العام، بينما في فبراير/شباط الماضي تعهدت الشركة بتوزيع أرباح بقيمة 0.89 يورو.
إكسون تحاول إنقاذ توزيعات الأرباح
تقول مصادر مطلعة إن شركة إكسون موبيل، وهي أكبر شركة نفط أمريكية، تستعد لإجراء تخفيضات عميقة على الإنفاق والوظائف، إذ تبذل الشركة قصارى جهدها لصيانة توزيعات أرباح على المساهمين تبلغ 8% بينما تلوح في الأفق خسارة بمليارات الدولارات.
ومن غير الواضح كيف ستجري الشركة تلك التخفيضات الكثيفة.
كانت أكبر شركة نفط أمريكية قلصت ميزانية العام الحالي 30% في أبريل نيسان الماضي، لكن خطط رئيسها التنفيذي دارين وودز للنهوض بالشركة عن طريق انتعاش الطلب وبيع مزيد من الأصول لم تؤت ثمارها بعد.
ومن المتوقع أن تعلن إكسون، الجمعة، عن خسارة تبلغ 2.63 مليار دولار في الربع الثاني من السنة، وفقا لبيانات رفينيتيف أيكون، وذلك بفعل انخفاض حاد في الأسعار وتراجع الإنتاج.
وستكون هذه هي المرة الأولى التي تتكبد فيها الشركة خسائر لربعين متتاليين خلال 36 عاما على الأقل.
وسهم إكسون منخفض 35% منذ بداية العام في ظل جائحة فيروس كورونا التي تعصف بالطلب على الوقود.
وقالت المصادر إن خفض التكلفة ضروري لصيانة توزيعات سنوية بنحو 15 مليار دولار لمساهمي الشركة في ظل تنامي الخسائر.
ويقول المحللون إن إكسون ستحقق سيولة كافية من عمليات الإنتاج لتغطية توزيعات العام الجاري.
واقترضت الشركة 18 مليار دولار في وقت سابق من السنة لتدعيم السيولة لديها.
ويقول الرئيس التنفيذي وودز إن الطلب على النفط والغاز الطبيعي والبتروكيماويات سينتعش عقب انهيار غير مسبوق بسبب تراجع الاستهلاك العالمي بمقدار الثلث وتهاوي أسعار النفط الأمريكية لما دون الصفر في أبريل/ نيسان الماضي.
وقلص منافسين مثل "بي.بي" و"رويال داتش شل" و"توتال" قيمة أصولهم من النفط والغاز بما يصل إلى 45 مليار دولار.
وقال كيسي نورتون المتحدث باسم إكسون إنه لا توجد خطط لتسريح العمالة بسبب الجائحة ولا مستهدفات لتقليص قوة العمل بنسبة معينة من خلال مراجعات أداء الموظفين هذا العام.
وتابع "نراقب أوضاع السوق باستمرار، ومحفظتنا العميقة من المرونة بما يسمح لنا بتعديل خططنا".