"الحرب المنسية".. الأقلية المسيحية في مواجهة جيش ميانمار
لعقود، عاشت كاشين التي يسكنها نحو مليون و600 ألف مواطن في سلام نسبي، ولكن الوضع مختلف الآن.
بينما أنظار العالم تتجه لأزمة الروهينجا تعيش أقلية عرقية أخرى عرضة لخطر سحقهم من قبل جيش ميانمار، ففي ولاية كاشين ثمة صراع وحشي لكنه أقل شهرة بين الأقلية المسيحية والمليشيات الحكومية.
- وكالات إغاثة الروهينجا تصرخ: الفيضانات ستزهق الأرواح.. السؤال كم العدد؟
- ميانمار تكذب ولا تتجمل: لا إبادة جماعية ضد الروهينجا
عندما سمع تانج سينج الطلقات النارية قرب قريته في ميانمار كان لديه خيار وهو حمل جدته على ظهره بعيدًا عن القتال أو الركض لتقديم المساعدة، فطلبت جدته منه أن يقتلها ويتركها، لكنه بالطبع رفض ذلك، وفقًا لصحيفة "الجارديان" البريطانية.
وخرج سينج من قريته حاملًا جدته سوبنا هكاون بو إلى مخيم بدائي للنازحين حيث بقيا مع عائلتهما، وكانت بو قد اضطرت للفرار من الصراع خمس مرات على مدار حياتها وظلت يومين بعد وصولهما دون أن تنطق بكلمة.
الحرب في ميانمار مرادف لأزمة الروهينجا ولكن سينج وجدته ليسا من لاجئي الروهينجا، وإنما من شمال البلاد في ولاية كاشين حيث ينشب صراع وحشي آخر لكنه أقل شهرة بين الأقلية المسيحية والمليشيات الحكومية.
الحرب المنسية
لعقود، عاشت كاشين التي يسكنها نحو مليون و600 ألف مواطن في سلام نسبي، وبعد حصول ميانمار على الاستقلال عن بريطانيا في 1948 حصلوا على وعود بالمساواة وتقرير المصير، إلا أن الصراع اندلع بعد سيطرة الجيش في 1962 وتم تشكيل جيش استقلال كاشين للدفاع عن أرض كاشين.
وعندما تولت أونج سان سو كي السلطة في 2016، كان هناك أمل بأنها ستضع حدًا للقتال، ولكن كما هو الحال مع أزمة الروهينجا ازداد الوضع سوءًا.
ودعت سو كي الجماعات المسلحة لتوقيع اتفاق وطني لوقف إطلاق النار ولكن جيش استقلال كاشين غير عازم على ترك الأسلحة مع استمرار الجيش في قذف قرى كاشين.
وقالت مقررة الأمم المتحدة الخاصة المعنية بحالة حقوق الإنسان فى ميانمار، يانجي لي، الأسبوع الماضي، إن ما نراه في كاشين خلال الأسبوعين الماضيين غير مقبول كليًا ويجب أن يتوقف على الفور، موضحة أن المدنيين الأبرياء يتعرضون للقتل والإصابات، وتفر مئات العائلات بحياتهم الآن.
ومنذ أبريل/نيسان الماضي، أُجبر أكثر من 6800 قرويًا على الفرار من قذائف الهاون والهجمات بالأسلحة الثقيلة، ويُضاف هذا العدد لـ 130 ألفا من كاشين نزحوا خلال العقود الماضية، والعديد منهم عالقون في الغابة أو محاصرون في مناطق الصراع.
وفي نفس الوقت، تقول هيئات الإغاثة إنه يتم منعهم من توفير الغذاء وغير ذلك من اللوازم الحيوية للمدنيين المحاصرين في الغابة، ويشكل منع هذه الهيئات انتهاكًا للقانون الإنساني الدولي.
حرب على الموارد الطبيعية
وتُرجع السكرتير المشترك لجمعية نساء كاشين في تايلاند سان هتوي، التصعيد الأخير في الصراع إلى استراتيجية جديدة للجيش وهي إبادة جيش استقلال كاشين أو إجباره على توقيع اتفاق وقف إطلاق النار.
لكن صيحفة "جارديان" تقول إن هناك سببا آخر لرغبة الجيش في السيطرة على كاشين، فالمنطقة التي فرت منها الجدة سوبنا هكاون بو وأسرتها، ليست فقط موطنًا للقرى وحقول الأرز، وإنما هي أيضًا موقع لثروة مناجم الكهرمان وفي مكان آخر بالولاية هناك مناجم اليشب المربحة.
"مثل مشهد من فيلم رعب"
وعلى مشارف مدينة ميتكيينا في كاشين المحايدة، تتبعثر مخيمات لا تعد ولا تحصى للنازحين داخليًا حيث تتراوح الملاجئ من أكواخ الخيزران المنسوجة الدائمة إلى الخيام المؤقتة من القماش المشمع.
وبعيون متعبة، يحكي قائد أحد المخيمات يو ثين سو اضطراره للفرار من منزله بعد اندلاع القتال قرب قريته، موضحًا أنه في البداية لم يكن لديه خطط للرحيل ولكن جميع أصدقائه وجيرانه بدأوا في التحرك، مشيرًا إلى أن نحو 80% فروا إلى الصين بينما قرر البقية التحرك إلى ميتكيينا، مستكملًا "الآن قريتي مثل مشهد من فيلم رعب".
وبدلًا من ردع المعارضة، أفرزت هجمات الجيش المتجددة على كاشين حركة احتجاجية، وخلال عطلة نهاية الأسبوع اندلعت المظاهرات في مدينة يانجون من قبل قادة شباب، واعتقلت السلطات ثمانية أفراد.
وقال القائد الشاب ثينزار شينلي "نحتاج إلى رفع أصواتنا وتذكير من هم في السلطة بأننا لا نريد الحرب.. ومن واجبهم إنهاؤها".