"ملاك الرحمة".. طبيب يهجر الراحة لمساعدة الروهينجا
43 من منظمة أطباء بلا حدود يعملون مع أطباء بنجلاديش لمساعدة الروهينجا
خطوة جريئة قد يخشى الكثيرون القيام بها، ولكن هذا الطبيب الستيني من تلك الفئة القليلة التي امتلأ قلبها بالرحمة والمحبة، وقرر التخلي عن حياته المريحة والذهاب لتقديم يد المساعدة في أزمة لاجئي الروهينجا.
- نساء الروهينجا.. أهوال تدمي القلوب
- "لا تعيدونا إلى ميانمار سيقتلوننا".. الأيتام الضائعون في مخيم اللاجئين
وصل الطبيب إيان كروس (64 سنة) إلى كوتوبالونج في بنجلاديش ليجد أكثر من 620 ألفا وصلوا بعد الفرار من الاضطهاد في ميانمار، وفقًا لصحيفة "ديلي ميل" البريطانية.
وهذه الخطوة بعيدة كل البعد عن مهنته التي امتهنها 25 سنة بمثابة طبيب ممارس عام في مدينة ليستر البريطانية، والتي شهدت تحولًا حاسمًا عندما توفيت زوجته، وانضم إلى منظمة أطباء بلاد حدود في 2012 إجلالًا لها.
وشاهد كروس أزمة الروهينجا وهي تتكشف العام الماضي بعد أن أنهى "بعثات" في سويسرا ودلهي لمحاربة مرضي الإيدز والسل، ولكنه كتب في صحيفة "ميرور" البريطانية أن ذلك لم يمنع قلبه من التحطم عندما شاهد وفاة أربعة أشخاص في يومه الأول في بنجلاديش.
وقال كروس إنه بالرغم من أنه لم يعمل في منطقة أزمات من قبل إلا أنه حسم أمره فورًا بأن يذهب إلى هناك، مشيرًا إلى أن عدم الحصول على إجازة لأيام وأشهر أمر شائع في مناطق الطوارئ، حيث يتعاون الأطباء لإنقاذ أكبر عدد ممكن من الناس.
ووجد كروس أكثر من 650 ألف لاجئ متكدس في حديقة تبلغ 3 آلاف فدان تحولت إلى مخيم مؤقت وتكافح من أجل استيعاب التدفق المتواصل للروهينجا الذين يصلون حديثًا مع وصول 20 ألفا منهم في اليوم الواحد.
وأوضح كروس أن الإصابات التي كانوا يشاهدونها كانت فظيعة، فكان هناك الكثير من الإصابات الناجمة عن الطلقات النارية، وتعرض أشخاص للضرب بأعقاب البنادق أو داسوا على الألغام الأرضية أو سقطوا أثناء الفرار من الجنود الذين يهاجمون قراهم.
وأما المريضة التي كانت الأكثر التصاقًا بذاكرته فهي فتاة في الخامسة من العمر فرت من جنود يهاجمون قريتها، فبينما ركض والدها وهي ملتصقة بالقرب من صدره تعلقت بإحكام برقبته، ولكن عندما أطلق جندي النار عليهما مرت الرصاصة محطمة يديها وضربت رقبة والدها.
وتوفي الرجل على الفور وسقط فوق طفلته التي اضطرت للتلوي من أسفل جثته والفرار إلى حدود بنجلاديش، ويقول كروس إن العظام في يدها المصابة التحمت معًا في المخيم حيث حصلت أيضًا على زراعة وتر. وبفضل أطباء بلا حدود ستتمكن الصغيرة من استخدام يدها مجددًا بمجرد تعافيها من إصاباتها.
وأوضح كروس -وهو والد لثلاث فتيات- أن أصعب جزء في بعثة الروهينجا هي رؤية أطفال وُلدوا بحالات يسهل علاجها في المملكة المتحدة، مضيفًا أنه من الصعب عدم الشعور بالاستياء عند رؤية فتاة صغيرة ستصبح كفيفة مدى الحياة لإصابتها بإعتام عدسة العين كان يمكن علاجه.
كما يتذكر كروس علاجه لولد يبلغ 12 سنة تقريبًا كان مصابا بحنف القدم الذي منعه من الركض بعيدًا عن الجنود الذين اجتاحوا قريته وبمجرد لحاقهم به بسهولة أطلقوا النار عليه في قدمه المصابة بدلًا من قتله، وهو ما قال كروس إنه كان يهدف لنشر الرعب بين الروهينجا الآخرين.
وفي المعسكر، يعمل 43 من منظمة أطباء بلا حدود مع أطباء بنجلاديش، ويقول كروس إنه وجد "السعادة المطلقة" والصداقة الحميمة في خط الجبهة لهذه الأزمة الخطيرة.
ويتذكر كروس رؤيته شعور الارتياح على وجه فتاة صغيرة عندما رحلت عنها الآلام الناجمة عن تشنجات الكزاز وارتاحت بين ذراعي والدها دامع العينين.
وفي غضون 12 يومًا فقط من التواجد في المخيم، تم تطعيم 300 ألف صغير ضد الحصبة، كما يقسم الأطباء أوقاتهم لحفر الآبار للاجئين.
وعاد الطبيب كروس من الأزمة للحصول على بعض الراحة، ويعترف بصعوبة التكيف، قائلا إنه حتى يرى وجوه لاجئي الروهينجا في أحلامه بينما ينتظر بعثته المقبلة.