تكشف الانقسامات داخل بنية الجيش السوداني وتحالفه مع الإخوان عن رابط بات جزءا من الأزمة ويهدد البلاد.
هذا ما كشف عنه الخبير في قضايا النزاعات السودانية، مجاهد بشرى، في حديث خاص مع العين الإخبارية".
ويستند بشرى، في حديثه إلى معلومات عسكرية دقيقة من مصادره الموثوقة في ميدان المعارك الحربية، على حد قوله.
انقسامات
ويقول مجاهد بشرى إن "ما يحدث اليوم في معسكر الجيش السوداني لا يمكن عزله عن الانقسامات العميقة التي تضرب جذور المؤسسة العسكرية منذ عقود".
ويشير إلى أن "الحرب في السودان كشفت حجم التصدع داخل منظومة القرار العسكري والسياسي"، لافتا إلى وجود "ثلاث دوائر رئيسية تتنازع السيطرة على المشهد".
وتشمل هذه الدوائر كلا من:
• الدائرة الإسلامية (الإخوان): وتمثل بقايا النظام المعزول بقيادة عمر البشير وأجهزته الأمنية والاستخباراتية التي لا تزال تتحكم في مراكز القيادة، وتعمل على إطالة أمد الحرب باعتباره الوسيلة الوحيدة لبقائها السياسي.
• الدائرة العسكرية التقليدية: وهي التي تسعى للحفاظ على نفوذها ومصالحها الاقتصادية المرتبطة بشركات الجيش السوداني ومنظومة الصناعات الدفاعية.
• الدائرة الإقليمية – القبلية: وهي تحالفات من مليشيات محلية وقوات مشتركة دخلت الحرب بدافع الولاء لا العقيدة، ثم تحولت لاحقا إلى عبء على المؤسسة العسكرية.
وبالنسبة لبشرى، فإن "هذا النزاع الداخلي خلق جيشا بلا مركز قرار واضح، تتضارب فيه الأوامر وتتبدل الولاءات، ما أدى إلى انهيار متسارع في جبهاته، وفقدان ثقة حلفائه الإقليميين، حتى أولئك الذين دعموا الانقلاب في بدايته".
وأضاف "الجيش يعيش مرحلة انهيار بنيوي لم تشهدها المؤسسة منذ تأسيسها، حيث تبرز الصراعات الداخلية، والارتهان للمحاور الإقليمية، وتحالفه مع منظومة الإسلام السياسي، والتي جعلته جزءا من الأزمة لا طريقا للحل".
ماذا حصل في الفاشر؟
وخلافا لما روّج له الإعلام الحربي التابع للجيش، فنّد مجاهد بشرى الأخبار التي أشارت إلى انسحاب الجيش من الفرقة السادسة بالفاشر.
وأكد أن الجيش لم ينسحب انسحابا تكتيكيا كما روّج إعلامه الرسمي، وإنما أُجبر على التراجع بعد انهيار منظومة الإمداد والاتصال وقطع الدعم الجوي عنه بالكامل.
وشدد الخبير على أن هذا الانسحاب في جوهره يشكل "هزيمة ميدانية منظمة وليس إعادة تموضع كما وصفتها بيانات القيادة العامة، خاصة بعد أن فقد الجيش السوداني السيطرة على الشمال الشرقي للمدينة، وتراجعت وحداته في حالة فوضى كبيرة".
والأسبوع الماضي، سيطرت قوات الدعم السريع على مدينة الفاشر في إقليم دارفور، آخر معاقل الجيش في الإقليم.
وأقر قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان، بانسحاب الجيش من مدينة الفاشر في إقليم دارفور، بعد معارك استمرت منذ أبريل/نيسان 2023.
وقال البرهان في خطاب بث عبر التلفزيون الرسمي "وافقنا على انسحاب الجيش من الفاشر لمكان آمن".
سقوط الحزام القبلي
وفي حديثه، أوضح بشرى أن خسارة الجيش للفاشر غيّرت ميزان الولاءات داخل مجتمع دارفور.
وقال إن "الكثير من الزعامات الأهلية في الإقليم والتي دعمت الجيش في البداية، أدركت أن الحرب لم تعد حرب الدولة ضد التمرد، بل حرب بقاء لنظام فقد شرعيته".
وأضاف أن "خطاب استعادة هيبة الدولة فقد معناه بعد أن تحولت المدن إلى رماد، والقرى إلى مقابر جماعية"، مشيرا إلى وجود "تحول تدريجي في الوعي المحلي نحو قبول فكرة التسوية السياسية الواقعية، حتى من داخل مكونات كانت محسوبة على الجيش".
وبحسب بشرى، فإن "هذه المكونات المجتمعية باتت ترى أن استمرار الحرب يعني فناء الإقليم بأكمله".
من الخرطوم إلى طهران
حديث الخبير في النزاعات السودانية كشف أيضا عن أخطر التطورات، وهي التحالف العسكري بين بقايا الإخوان في السودان وإيران.
وأشار بشرى إلى أنه "ومنذ نهاية عام 2022، بدأت تظهر دلائل متزايدة على عودة التنسيق العسكري بين بقايا الحركة الإسلامية السودانية وإيران"، عبر قنوات استخباراتية أعادت تشغيل خطوط إمداد وتسليح محدودة إلى السودان.
هذا التحالف، بحسب بشرى، هو الذي "وضع الجيش في موقع الشبهة الدولية، ودفع واشنطن لتصنيفه ضمن الأطراف المعيقة للتحول المدني والسلام".
وخلُص الخبير السوداني إلى أن "الحرب الحالية ليست فقط صراعا على السلطة، بل باتت غطاء لأنشطة إرهابية واقتصادية تديرها شبكة الإسلاميين داخل المؤسسة العسكرية".