قرية "العُبّاد".. قبلة السياحة الدينية في الجزائر
قرية سيدي العباد بمحافظة تلمسان الجزائرية كنز تاريخي إسلامي يضم مسجداً وضريح ولي صالح، ومدرسة درّس بها العالم ابن خلدون.
تزخر مدينة تلمسان الجزائرية (غرب الجزائر) بكم هائل من المساجد والآثار العريقة التي تروي التاريخ العربي والإسلامي للبلاد، ولا تكتمل زيارة المدينة التاريخية دون التنقل والتجول في قرية "العُبّاد" كما نصح أهل تلمسان "العين الإخبارية" التي زارت "لؤلؤة المغرب العربي".
- بالصور .. الجامع الكبير قبلة السياحة بـ"لؤلؤة المغرب العربي"
- مسجد "نَدْرومة المُرابطي".. ثالث أقدم مسجد بالجزائر منذ 10 قرون
ولا مبالغة في القول إن زائر هذه المدينة الجزائرية يكتشف في كل زيارة جديدة تراثها وتاريخها وعراقتها، التي تنطق بها جدران المساجد والآثار القديمة، وحتى الطرق والأزقة الضيقة التي يعود تاريخها إلى مئات السنين.
قرية العُبّاد
حقيقة وقفت عندها "العين الإخبارية" وهي تتجول في قرية "العُبّاد" بمدينة تلمسان الجزائرية، حيث كل شيء فيها ينطق بحقبة مهمة في تاريخ الجزائر، والمتعلقة بالتاريخ الإسلامي الذي كانت تلمسان إحدى دعائمه.
و"العُبّاد" هي قرية عريقة تشبه المدن الإسلامية والمغاربية والقديمة، تتميز بأزقتها الضيقة العتيقة، وهي اليوم من بين الأحياء الشعبية في تلمسان التي تستقطب سنوياً آلاف السياح من الجزائر وخارجها.
تباينت الروايات التاريخية حول تاريخ تأسيس القرية، غير أن كثيراً منها ذكرت بأن الدولة "المارينية" هي من شيدت قرية "العُبّاد"، وكان ذلك في القرن الـ14 ميلادي بعد الغزوة الثانية لسلطان فاس المريني في المغرب المعروف باسم "السلطان الأسود"، والتي دامت 7 أعوام كاملة.
تضم القرية أو المدينة التاريخية "العُبّاد" في تلمسان الجزائرية عدداً كبيراً من الآثار المهمة، لعل أبرزها وأكثرها استقطاباً للسياح ضريح الولي الصالح والعالم الجليل "سيدي بومدين" المعروف باسم "سيدي العبّاد" (القرن الـ12 ميلادي) ومسجده أيضا، ومدرسة قرآنية عريقة.
مدرسة "سيدي العباد" التي درَّس فيها ابن خلدون
"العُبّاد" قرية تقع على هضبة عالية، ومن خلال مدرستها القرآنية يعرف الزائر إليها سبب تسميتها بذلك الاسم "العُبّاد"، حيث كانت تلك الهضبة مكاناً خاصاً يقصده الشباب منذ ما قبل القرن 12 ميلادي، "لاعتزال الدنيا والاعتكاف والتعبد وحفظ القرآن الكريم والتفرغ للعلم".
ولأن المنطقة كانت مقصداً لذلك، شيد السلطان الماريني "أبوالحسن الماريني" مدرسة "العُبّاد" عام 747 هجري الموافق 1147 ميلادي، فوق ربوة صغيرة يصعد الزائر إليها بـ15 درجة، وتبعد المدرسة بنحو 7 أمتار فقط عن مسجد "سيدي بومدين".
وتعد المدرسة من بين سلسلة من المدارس التي شيدها المرينيون عند حكمهم لغرب الجزائر والمغرب، وتسمى أيضا بـ"المدرسة الخلدونية"، ذلك أن العالم عبدالرحمن بن خلدون درّس بها مختلف العلوم بعد تأسيسها.
للمدرسة باب واحد، وعند الدخول إليها يجد زائرها صحناً مستطيلاً، يوجد على جانبيه الأيمن والأيسر رواقان، وفي جدار كل منهما توجد غرف مربعة الشكل التي كانت تؤوي الطلبة، ولكل غرفة باب مقوس تعلوه نافذة صغيرة.
كما يوجد محراب مفتوح في جدار القبلة، له زخرفة من الجبس، ويتكون من إفريز جبسي على شكل المضلع الثماني.
هدم الاستعمار الفرنسي جزءا من المدرسة متحججاً بتوسيع شبكة الطرق، غير أنه وبعد استقلال الجزائر عام 1962، قامت السلطات الجزائرية بترميمها وتحويلها إلى متحف تابع لوزارة الثقافة الجزائرية.
ضريح سيدي العُبّاد
يسمى ضريح "سيدي العُبّاد" أو ضريح "سيدي بومدين"، ويعد من أكثر المزارات للسياح والباحثين من الجزائر والمغرب وغيرهما، حيث أكد سكان القرية لـ"العين الإخبارية" أن الزيارات لم تنقطع يوماً عنه.
وخلال جولة "العين الإخبارية" في المنطقة، رصدت التوافد الكبير لعائلات مدينة تلمسان والمدن مجاورة لها، والذين يقصدون الضريح حاملين معهم بعض الأكلات التقليدية لتقديمها "على روح الولي الصالح" كما يقولون، و"يتبركون بالدعاء" أمام الضريح حسب رأيهم.
وبالعودة إلى أصل الضريح، فقد ذكر سكان مدينة تلمسان الجزائرية لـ"العين الإخبارية" أن الاسم الكامل للولي الصالح هو "سيدي أبومدين الحسين الأنصاري" وهو أندلسي الأصل.
ولد عام 1126 ميلادي، من عائلة إشبيلية ثرية، ولأنه كان أصغر أشقائه، فقد أسندوا له مهمة رعي الغنم، ومن تلك المراعي "ارتبطت روح الولي الصالح بعظمة الخالق والتأمل في مخلوقاته" كما ذكر سكان المدينة، وكانت فرصة له لحفظ القرآن الكريم.
أدى "سيدي بومدين" مناسك الحج وهو في الـ21 من عمره، وذكرت دراسات تاريخية أنه تنقل إلى تونس ثم إلى مصر، والتقى خلالها "صلاح الدين الأيوبي" وشارك في معركة تحرير القدس من الصليبيين.
بعد عودته، استقر في محافظة بجاية (شرق الجزائر) لمدة 25 عاماً، وأسهم في نشر التصوف في الجزائر وتونس والمغرب، واشتهر حينها بـ"شيخ المشايخ".
تدهورت صحة "سيدي بومدين" فأبلغ رفاقه بضرورة نقله إلى "قرية العباد" لما له من ذكريات جميلة فيها، وجاء في مراجع تاريخية أنه بمجرد وصوله إلى القرية اشتد به المرض، فقال لرفاقه: "ما أصلحه للرقاد"، وكانت آخر كلماته "الله الحق"، ثم لفظ أنفاسه الأخيرة في 13 نوفمبر/تشرين الثاني 1179 ميلادي، وفي عام 1200 ميلادي أمر السلطان المريني "الناصر" ببناء ضريح له.