
عبدالمنعم سليمان
كاتب سوداني
كاتب سوداني
لم يكن خطابُ كامل إدريس، رئيسِ وزراء سلطة بورتسودان، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، سوى كِذبةٍ سافرة فاضحة، لا يلتبس زيفُها على بصير، لم تُوارِ سوأتَها زخرفةُ لفظٍ، ولم يَخْفَ عوارُها تَصنُّعُ النطق ولا فذلكةُ البيان.
يعيش السودان لحظةً تاريخيةً فارقة؛ فبين أنين الحرب المشتعلة وصيحات الملايين من الضحايا والنازحين، تتبدّى خارطة طريق جديدة قد تضع حدًّا لهذا النزيف المستمر.
هناك أيّام تمرّ على الأمم كما تمرّ الرياح على الرمال، لا تترك أثراً. وهناك أيّام تُكتب بحبر الدم والرجاء، تُنقش في ذاكرة الشعوب باعتبارها لحظات فاصلة بين الانكسار والانبعاث.
لم يعد بوسع العالم أن يغض الطرف عن الكارثة السودانية الممتدة منذ اندلاع الحرب في 15 أبريل/نيسان 2023 بين الجيش وقوات الدعم السريع.
لم تعد حرب الإخوان في السودان تقف عند حدود الجغرافيا، بل تجاوزتها إلى فضاءٍ أخطر: فضاء الأسافير.
برز في الأيام الماضية جدل واسع بين السودانيين، ولا سيما في أوساط بعض أنصار التيار الديمقراطي، وذلك عقب الانتصارات الميدانية التي حققتها قوات الدعم السريع ضد المليشيات والكتائب الجهادية في ولاية شمال كردفان، التابعة للحركة الإسلامية السودانية (الإخوان).
في مشهدٍ يعكس تداخل مسارات الإرهاب العابر للحدود مع تحولات السياسة في القرن الأفريقي، أعلنت السلطات النيجيرية أول من أمس عن توقيف اثنين من أبرز قادة جماعة "أنصار المسلمين في بلاد السودان".
لم يعد الخراب في السودان مشهدًا عابرًا من الحرب، بل تراكمًا كثيفًا لطبقات الدم والبارود، تتعانق فيه أطماع العسكر مع هذيان الأيديولوجيا، وتتشابك فيه رايات الدين مع أدوات الفتك.
في قلب الخراب، حيث تنام الخرطوم على أزيز الرصاص وتصحو على أنين الجوعى والمشرّدين، ارتفع صوتٌ مغاير من الخارج، لا تصدره المدافع ولا تصوغه البيانات الجوفاء، بل تصوغه المعاناة وتكتبه دماء الأبرياء.