الجزائر.. زلزال "خليها تصدي" يضرب سوق السيارات ويتجه لليورو
حملة "خليها تصدي" تهوي بأسعار السيارات في الجزائر وتؤدي إلى حالة كساد في مصانع تركيب السيارات بشكل غير مسبوق.
شهدت الجزائر في الأسابيع القليلة الماضية حملة مقاطعة شعبية في سابقة هي الأولى من نوعها في البلاد، أدت إلى انهيار أسعار السيارات المستعملة، وكساد في منتوج عدد من مصانع تركيب السيارات محلياً، خاصة "سوفاك"، و"طحكوت هيونداي"، و"رونو".
- الجزائر وإسبانيا ترفعان شراكتهما الاستراتيجية والاقتصادية
- الجزائر تدشِّن منطقة اقتصادية على سواحلها لأول مرة
حملة #خليها_تصدي
حملة المقاطعة الشعبية بدأت خطوتها الأولى من مواقع التواصل الاجتماعي، واختار رواد هذه المواقع هاشتاق "#خليها_تصدي" أو "دعها تصدأ" الذي تحول إلى "ترند رقم واحد" في أقل من أسبوع بالجزائر، وغزا مواقع التواصل الاجتماعي بشكل غير مسبوق، واعتبرها متابعون "ثقافة شعب واحتجاجا حضارياً سلمياً جديداً يقتحم المجتمع الجزائري".
وعبر كثير من الجزائريين عن رفضهم للأسعار الباهظة التي تعرضها بعض مصانع تركيب السيارات الأوروبية في الجزائر، وأجمع كثير من الخبراء الاقتصاديين على وصف حملة المقاطعة الشعبية بـ"الصرخة في وجه مشاريع تركيب السيارات من طرف بعض العلامات العالمية على التراب الجزائري لإعادتها إلى أسعارها الأصلية"، نتيجة التلاعب "المفضوح" في الأسعار كما وصفته وزارة الصناعة الجزائرية.
ومن خلال حملة "مانشريش خليها تصدي" أو "لن نشتري دعها تصدأ"، طالب الجزائريون الحكومة بالتدخل لضبط سوق السيارات، وما أسماه خبراء الاقتصاد "التلاعب بالاقتصاد الجزائري".
ولقيت الحملة تفاعلاً وصفه المختصون "بالرهيب" والذي تعدى مواقع التواصل الاجتماعي، ووصل إلى الشارع، الذي قاطع وكلاء السيارات، وأسواق بيع السيارات المستعملة بشكل غير مسبوق في البلاد.
ولم يكتف كثير من الجزائريين بحملة مقاطعة السيارات، بل انتقلت إلى اليورو، ودعا كثير منهم إلى ضرورة مقاطعة شراء اليورو إلى حين انخفاضه، ودشنوا حملة جديدة باسم "خلي اليورو يصدي" بعد أن فاق سعره 140 دينارا جزائريا في التعاملات البنكية الرسمية، وأكثر من 210 دنانير في الأسواق الموازية.
انهيار الأسعار في الأسواق
يؤكد عدد من المختصين في الجزائر، أن لا أحد كان يتوقع أن تنتشر حملة المقاطعة لتصل إلى أكبر عدد من الجزائريين، حيث أدت حملة مقاطعة السيارات المركبة في الجزائر إلى انهيار "مفاجئ وسريع" في أسعارها، سواء في أسواق سماسرة السيارات بأكثر من 3 آلاف يورو للسيارات السياحية، وأزيد من 5 آلاف يورو في أسعار السيارات الكبيرة، أو حتى لدى كثير من وكلاء سيارات العلامات العالمية التي تركب سياراتها بالجزائر.
وبالأسواق الكبيرة لبيع السيارات المستعملة، اشتكى سماسرة السيارات من "عزوف" الجزائريين عن شراء السيارات، "ولو للاستفسار عن الأسعار" كما قال عبدالغني في حديثه مع "العين الإخبارية".
وأضاف عبدالغني وهو أحد سماسرة السيارات المستعملة في الجزائر منذ أكثر من 10 سنوات "لم أشاهد في حياتي مقاطعة كبيرة لأسواق السيارات كما نعيشها هذه الأيام، سواء في سوق سطيف (شرق الجزائر) أو تيجلابين (وسط البلاد)".
وتابع قائلاً: "في السابق عندما يكون السوق راكداً نوعاً ما، نلجأ إلى شراء وبيع السيارات ما بيننا نحن السماسرة، لكن ما يحدث الآن هو انخفاض كبير جداً في أسعارها، بشكل جعلنا نخسر أكثر من 3 آلاف يورو في السيارة الواحدة، وإذا استمر الحال على ما هو عليه ستكون خسائرنا أكبر، خاصة إذا ما تم تخفيض السيارات الجديدة من قبل الوكلاء".
ويتهم كثير من الجزائريين سماسرة السيارات بالمساهمة في رفع أسعارها بشكل كبير، فيما احتج عدد من السماسرة الخميس أمام وكالة سيارة "بيكانتو" بمدينة عنابة (شرق الجزائر)، حيث "طالبوا بتعويضهم عن السيارات التي اشتروها بسعرها القديم"، إلى درجة أن قام أحدهم بكسر واجهة الوكالة لأنها رفضت إعادة السيارات.
كساد السيارات المركبة محلياً
رأى كثير من المتابعين لمجريات حملة "خليها تصدي" في الجزائر، أنها نزلت "كالزلزال" على عدد من مصانع تركيب السيارات العالمية في الجزائر، ما دفع بعضاً من أصحاب مجمعات تركيب السيارات للخروج عبر وسائل الإعلام الجزائرية لتقديم تفسيرات والدفاع عن الأسعار التي يعرضونها في السوق، في وقت رفض عدد منهم الاستجابة للمطالب الشعبية وحتى الحكومية للالتزام بالأسعار الأصلية.
وبين إصرار كل طرف على موقفه، شهدت مصانع تركيب السيارات ركوداً غير مسبوق، مع رفض الجزائريين التعامل مع وكلاء هذه المصانع إلى غاية تخفيض الأسعار، التي يؤكدون أنها تصل إلى "الضعف عن تلك الأسعار الموجودة في دولها الأصلية".
الحكومة تكشف عن التلاعب
غير أن المتابع لحملة "خليها تصدي" يكتشف أنها بدأت مع ما وصفها الخبراء الاقتصاديون "بالفضيحة المدوية" التي فجرتها وزارة الصناعة الجزائرية الشهر الماضي، عندما نشرت الأسعار الحقيقية للسيارات المركبة في الجزائر، والتي أظهرت حجم الفارق الكبير بينها وبين أسعار الوكلاء.
وتحركت وزارة الصناعة الجزائرية، لأول مرة، لوضع حد لما أسمته "بالتجاوزات"، وطالبت في بيان لها اطلعت على تفاصيله "العين الإخبارية"، "وكلاء السيارات بضرورة تطبيق التعليمة الصادرة عن مصالحها، والتي أمرتهم بالتحلي بالشفافية في أسعار السيارات".
كما أكدت "حرصها على حماية المواطنين ومتابعة الملف خطوة بخطوة تفادياً لأي تجاوزات"، وهو ما رأى فيه مراقبون "انزعاجاً حكومياً من وكلاء اختارتهم بنفسها".
بدوره، لم يخف وزير الصناعة الجزائري، يوسف يوسفي، انزعاجه من الأسعار التي تفرضها مصانع تركيب السيارات في الجزائر، وقال في تصريحات صحفية "إن المصانع التي حصلت على تراخيص التركيب في الجزائر مطالبة باعتماد الشفافية مع زبائنها، كما أن صناعة السيارات دون مناولة لا معنى لها".
فضيحة تركيب المُركب
يشير عدد من المختصين والمراقبين، إلى أن القطرة التي أفاضت كأس المقاطعة الشعبية هي الصور والفيديوهات والمعلومات التي فضحت مؤخرا عددا من مصانع تركيب السيارات بالجزائر، والتي ألمح إليها وزير الصناعة الجزائري بالقول "إن الدولة الجزائرية تشجع سياسة صناعة السيارات وليس التركيب من خلال رفع معدل الإدماج".
آخرها، ما نشرته وسائل إعلام مقربة من السلطة الجزائرية، لصور من داخل مصنع "رينو الجزائر"، وأكدت أنها "استوردت في الشهرين الماضيين أكثر من 8 آلاف سيارة نصف مركبة نوع داسيا المصنعة في رومانيا".
إضافة إلى فضيحة أخرى لمصنع فولسفاجن بمدينة غليزان (شرق الجزائر)، حيث تداول نشطاء عبر مواقع التواصل الاجتماعي صوراً مسربة من داخل المصنع الذي يركب سيارات فولسفاغن، وسيات، وسكودا، أظهرت وصول السيارات إلى المصنع وهي "شبه مركبة" ولم يبق منها سوى "تركيب العجلات"، وهي الصور نفسها التي سبق وأن سربت عن مصنع طحكوت، في وقت تقول الحكومة الجزائرية إنها تعمل "على إخراج سيارة جزائرية من كل مصنع"، ما دفعها إلى التحرك مؤخرا بإعلانها متابعة الملف.
في هذه الأثناء، انتقد وكلاء السيارات الحملة التي يتعرضون لها، واتهموا رواد مواقع التواصل الاجتماعي "بالإساءة للمنتج الوطني والتأثير عليه داخلياً وخارجياً، وبأنه سيؤدي إلى التراجع عن المكاسب التي حققها الاقتصاد الجزائري".
في حين ردت جمعية حماية المستهلك الجزائرية وعدد من الخبراء الاقتصاديين على "ظاهرتي ارتفاع الأسعار والتركيب المغشوش" بتوجيه انتقادات لاذعة لأصحاب هذه المصانع.
وعبروا عن استغرابهم لما أسموه "تحطيم جزائريين لاقتصاد بلادهم، رغم كل الامتيازات الضريبية التي منحتها الحكومة الجزائرية لهم، فإن التطورات الأخيرة أدت إلى فقدان هذه السيارات لجاذبيتها في السوق المحلية".
كما أكد الخبراء الاقتصاديون أن "منتجي السيارات في العالم يبدأون نشاطاتهم الاستثمارية في بيع سياراتهم بهامش خسارة لا بهامش ربح، ما يجعلها تحظى بأفضلية أكثر لدى المستهلك، ثم يتم تعويض الخسائر في أسواق قطع الغيار"، وهي الحالة التي لا تنطبق على المصانع في الجزائر، والتي بدأت "بهامش ربح مضاعف".
وأعاب الخبراء الاقتصاديون على حكومة رئيس الوزراء الأسبق، عبد المالك سلال، ووزير صناعته آنذاك عبدالسلام بوشوارب، عدم التفاوض مع العلامات العالمية على استحداث ورشات أخرى لصناعة قطع الغيار بالجزائر بالموازاة مع مصانع تركيب السيارات، خاصة أن فاتورة استيراد قطع الغيار في الجزائر تتجاوز ملياري دولار.