المرأة في "مصر الفرعونية".. حقوق سبقت العالم
الدكتور مجدي شاكر، كبير الأثريين المصريين، يؤكد أن مصر الفرعونية سبقت العالم في احترامها للمرأة ومنحها حقوقها كاملة، وكان للمرأة دور هام في مصر القديمة
"إذا أردت الحكمة، فأحب شريكة حياتك، اعتن بها كي ترعى بيتك" كانت هذه الكلمات من أبرز وصايا الفرعون المصري بتاح حتب للزوج في معاملة زوجته منذ أكثر من 3500 عام.
وتمتعت النساء بوضع عظيم في الحضارة المصرية القديمة، حتى تمكنت من الوصول إلى العرش، ومن أشهرهن حتشبسوت ونفرتاري وكليوباترا السابعة وميريت نيت ونفرتيتي وتاوسرت.
وبالتزامن مع احتفالات العالم بيوم المرأة في 8 مارس/آذار الجاري من كل عام، وهو التاريخ الذي يخلد ذكرى خروج عاملات النسيج الأمريكيات في مظاهرات احتجاجا على الأوضاع المعيشية في عام 1909، نلقي الضوء على مكانة المرأة في مصر القديمة.
ألقاب عديدة
يقول الدكتور مجدي شاكر، كبير الأثريين المصريين: "سبقت مصر الفرعونية العالم في احترامها للمرأة ومنحها حقوقها كاملة، وكان للمرأة دور هام في مصر القديمة وكانت متساوية مع الرجل في جميع جوانب الحياة وملازمة له في العالم الآخر أيضا".
وفي حديثه مع "العين الإخبارية"، سرد شاكر مظاهر تمتع المرأة بحقوقها في عصر الفراعنة، حيث وصلت إلى أعلى درجات التقدير، وكانت دوما رمانة الميزان في الحياة ودافعا لتحقيق الإنجازات في جميع الأسرات.
وأضاف: "حملت السيدات ألقابا عديدة سواء في المنزل أو المعبد أو داخل القصر الملكي، وتميزت بالذكاء والإبداع، وكان الزواج أمرا مهما يحفز الكهنة والحكماء الرجال على الإقدام عليه في سن مبكرة، لاقتناعهم الشديد بأهمية المرأة في حياة الرجل وتأثيرها على تاريخ الحكم".
ومن الألقاب التي حصلت عليها المرأة "نبت بر" ما يعني "سيدة البيت" والذي يحمل دلالة التقدير التي حظيت به في منزلها.
وأشار كبير الأثريين إلى أن المرأة المصرية عملت في الزراعة وتربية الماشية والطيور وطحن الحبوب وإعداد الخبز والفطائر، إضافة إلى امتهانها مهنا في صناعة الملابس والنسيج والعمل كمربيات للأطفال في بيوت كبار الدولة والملوك، خاصة أن بعضهن كن يجدن القراءة والكتابة والحساب.
ولفت إلى أن المرأة الفرعونية عملت بمهن أخرى مثل الكاهنة "حتب" والطبية "مربت بتاح" التي تولت منصب كبير الأطباء المسؤول عن تركيب الأدوية والفحص في عهد الملك زوسر بالأسرة الـ3 الفرعونية.
ملكات مصر
ولم تكن قواعد المجتمع المصري فقط هي التي ساعدت المرأة للحصول على حقوقها، بل مكنتها شخصيتها المتحررة المنفتحة وعقلها المستنير من الوصول إلى العرش وتحقيق إنجازات ما زالت مدونة على جدران المعابد.
ويقول شاكر: "لعبت المرأة دورا في الحفاظ على العرش وحكم البلاد بالنيابة عن طفلها بعد وفاة زوجها الملك، وكانت مصر الفرعونية من أوائل الدول التي طبقت نظام وصايا النساء على العرش".
وعلى جدار المعابد، صوِّرت المرأة تقف بجوار زوجها بنفس الحجم، تطوق جسده بذراعها وتضع يدها اليمنى أسفل صدره، وتلامس يدها اليسرى ذراعه الأيسر، في مشهد يحمل دلالة الحب القائم بين الزوجين ودرجة وفاء الزوجة لأسرتها، بحسب وصف الخبير الأثري المصري.
ومن أبرز نماذج الملكات في التاريخ الفرعوني، الملكتان "تتي شيري" و"أياح حوتب" اللتان لعبتا دورا عظيما في محاربة الهكسوس، ودعمهما للملك أحمس الأول في حربه، ما يشير إلى دور المرأة في الدفاع عن حدود وطنها وإعداد الخطط العسكرية.
ويقول شاكر: "جمعت إياح حتب الفرق العسكرية ووفرت المعدات العسكرية وقتها من فأس يدوية وخنجر ودبابات ذهبية، وهي آثار وجدت ضمن مقتنيات الملكة".
وحصلت الملكة أحمس نفرتاري على اللقب الديني "الكاهنة الثانية للإله آمون"، إضافة للقب "الزوجة الإلهية للإله آمون" وهو لقب منحها إياه زوجها الملك أحمس الأول كلقب كهنوتي، مكنها من تقديم القرابين وإقامة طقوس دينية خلدت اسمها على الآثار الفرعونية.
وكانت حتشبسوت أشهر ملكات مصر التي أسست دولة قوية، بعد أن تمكنت من الوصاية على عرش ابن زوجها تحتمس الثالث، وحظيت الدولة وقتها بفترة إنجازات لإعداد الجيش لحملات إلى بلاد بونت وشمال أفريقيا.
وعُرف عن حتشبسوت قوة الشخصية والذكاء، وشيدت أشهر المعابد الذي حمل اسمها في الدير البحري في الأقصر (جنوبي مصر).
جدران المعابد
وتشير النقوش والتماثيل في عهد الملك أمنحتب الثالث إلى علاقته القوية بزوجته "تي"، وأوضح شاكر أن النصوص الملكية التي وجدت مع الملك تشير إلى حبه الشديد لزوجته لذكائها وقوة شخصيتها.
وعٌرف عن نفرتاري لقب "الملكة المؤثرة" في عهد زوجها الملك رمسيس الثاني، حيث إن مهارتها في الكتابة والقراءة والدبلوماسية في كتابة المراسلات والتعاملات السياسية، زاد من قدرها أمام زوجها.
ونقش اسم نفرتاري ورمسيس الثاني معا في معبد أبوسمبل بأسوان جنوب مصر، إضافة إلى بناء مقبرة ملكية لها في وادي الملكات، تقديرا لحبه لها ومكانتها في الدولة.
وتشير بعض البرديات إلى أن الملكة نفرتيتي حكمت بعد وفاة زوجها الملك إخناتون، نظرا لحنكتها في إدارة الأمور السياسية.
وتمتعت المرأة بكامل حقوقها في اختيار شريك الحياة والانفصال وحق الميراث، وكان لها مطلق الحرية في اختيار نمط حياتها، ما جعلها سيدة مجتمع تتفوق على مثيلاتها في العصور القديمة، ونموذجا يحتذى به في عصرنا الحديث، بحسب وصف شاكر.