تتسع الهوة في لبنان بين فرقاء البلد الغارق في أزمة اقتصادية غير مسبوقة، حتى بات ترتيب موعد بين الفريقين مسألة في حاجة للتأويل.
فبأي توقيت يمكن ترتيب لقاء بين الفرقاء في ظل إعلان المعارضة اللبنانية رفضها إرجاء العمل بالتوقيت الصيفي، مخالفة بذلك قرار رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي.
ما القصة؟
لبنان من الدول التي تعتمد العمل بالتوقيت الصيفي، وهي بذلك تشترك مع دول أخرى ستعمد إلى العمل به الأحد 26 مارس/آذار.
القرار الذي أعلنه ميقاتي نفسه قبل أسبوعين خلال اجتماع وزاري اعتمد التوقيت الصيفي، اعتباراً من منتصف ليل 25-26 مارس/آذار الجاري، لكن يبدو أن طلبا لرئيس مجلس النواب نبيه بري دفع رئيس الحكومة إلى تغيير موقفه.
وعليه أعلن رئيس حكومة تصريف الأعمال الخميس تأجيل اعتماد التوقيت الصيفي إلى منتصف ليل 20-21 أبريل/نيسان المقبل "استثنائياً".
وأشعل القرار سجالا سياسيا في بلد يرزخ تحت وطأة فراغ رئاسي منذ انتهاء فترة الرئيس المنتهية ولايته ميشال عون في 31 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وردت المعارضة على الفور قائلة إنه "بالأمس قلنا: لنا لبناننا ولكم لبنانكم.. والآن نقول: لنا توقيتنا ولكم توقيتكم".
وجاء موقف المعارضة في لبنان في أعقاب انتشار مقطع فيديو مسرب على مواقع التواصل الاجتماعي للقاء جمع ميقاتي برئيس مجلس النواب اللبناني في عين التينة، وطلب فيه الأخير تأجيل تقديم الساعة إلى ما بعد شهر رمضان.
وتسبب القرار في ارتباك قطاعات الاتصالات والطيران، حيث إن ساعات الهواتف وأجهزة الكومبيوتر تتغير تلقائياً إلى التوقيت الصيفي، كما أن جداول الرحلات الجوية في الفترة المذكورة صادرة أساساً بحسب مواعيد التوقيت الصيفي.
وفاجأ القرار اللبنانيين، وأشعل سجالا سياسيا، ومطالبات بالرجوع عنه "قبل فوات الأوان".
الغضب في تمام الوقت
وفي رد فعل حاد، قال رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل في تغريدة عبر حسابه على موقع "تويتر" إن "قصة الساعة غير مقبولة ومعبرة جداً في معانيها"، مضيفاً أنه لا يجوز السكوت عنها، مهدداً بـ"الطعن فيها، أو بعصيانها".
وغرد رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع عبر حسابه على "تويتر" قائلا: "أستغرب قرار الحكومة بعدم اتباع التقليد المتبع في لبنان منذ عشرات السنين بتقديم الساعة ساعة واحدة في مارس/آذار من كل عام، والذي ما زال حتى الساعة معتمدا في معظم دول العالم".
ورأى أن "هذا التدبير الذي اتخذته الحكومة سيعرقل الكثير من الأعمال خصوصا على مستوى حركة الطيران والشركات العالمية التي لها علاقة مع الشركات اللبنانية والأسواق وسواها من القطاعات".
وطالب جعجع الحكومة بالعودة عن قرارها قبل فوات الأوان، قبل أن تضع قطاع الأعمال في البلاد أمام مصاعب إضافية جمة.
وقال عضو تكتل الجمهورية القوية النائب غياث يزبك، عبر حسابه عبر "تويتر": "قطار الزمان يسير إلى الأمام، إذا أردتم السير بعكسه فافعلوا وحدكم، لن نسمح لأي كان بأن يخرج لبنان من التوقيت العالمي بعدما قاده خارج النظام الكوني".
وأضاف "بالأمس قلنا: لنا لبناننا ولكم لبنانكم، والآن نقول لنا توقيتنا ولكم توقيتكم".
كما أكد النائب وضاح صادق أن "تغيير التوقيت هو نموذج صارخ عن كيف يدار البلد منذ سنوات".
وأوضح عبر حسابه على "تويتر" "قرارات تتخذ وفق أهواء وخيارات شخصية في مجلس النواب ومجلس الوزراء، كلها خفة وانتقائية وعشوائية ودون أي دراسة علمية، يعتقدون أنّهم يستطيعون فعل كلّ شيء دون أي رادع أو اعتبار للعواقب العملانية والإرباك الذي يتسببون به".
كما أعلن حزب الكتائب اللبنانية رفض تأجيل اعتماد التوقيت الصيفي، وطالب من جميع العاملين في أماناتها المركزية بالالتزام بالحضور إلى العمل بحسب التوقيت العالمي.
خارج الزمن الدولي
وحذرت رئيسة الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية كلودين عون من تداعيات قرار تأجيل تقديم التوقيت المحلي، واصفة التأجيل بأنه "قرار خطير".
وقالت "نحن جزء من هذا العالم وتوقيته ودورانه.. أطالب بالرجوع عن هذا القرار قبل فوات الأوان، فالرجوع عن الخطأ فضيلة! ليبقَ لبنان داخل الزمن والرزنامة الدولية".
كما قررت وسائل إعلام وفضائيات لبنانية رفض قرار الحكومة، والعمل وفق التوقيت العالمي، نظرا لتداعيات مخالفة القرار تقنيا وانعكاساته السلبية.
وأفادت "المؤسسة اللبنانية للإرسال انترناسيونال LBCI" بأنها لن تلتزم قرار الحكومة بتأجيل تطبيق التوقيت الصيفي حتى أبريل/نيسان المقبل.
وقالت في بيان "نعرف أنه من حق أي دولة حول العالم اتخاذ قرارها بشأن التوقيت، لكننا نعرف كذلك أن قرارا كهذا لا يتخذ ويطبق بغضون ساعات قليلة، فلبنان ليس جزيرة معزولة، وهو مرتبط بنظام مبني على ساعة عالمية لتتبع الوقت، وللتأكد من أن البشرية كلها قادرة على التواصل والعمل بطريقة متزامنة".
وأشارت إلى أنها "ستستمر على التوقيت العالمي وسوف تقدم ساعتها ساعة عند منتصف هذه الليلة".
في المقابل، اعتبر النائب المستقل مارك ضو عبر "تويتر" أنه "يجب إلغاء كل مبدأ التوقيت الصيفي، لا معنى له بتاتاً، نريد زيادة في الإنتاجية وفواتير الكهرباء لن تتأثر بالدوام الصيفي وبلا وجع رأس الساعات".
وتراكم أزمة التوقيت الصيفي أعباء جديدة على الساحة اللبنانية التي فشل مجلس نوابها من انتخاب رئيس جديد للبلاد بعد 11 جلسة خصصت لهذا الأمر.
ويبدو أن ساعة لبنان ستتوقف طويلا أمام الأزمة السياسية في البلاد، خاصة أن الشغور الرئاسي يأتي على وقع أزمة اقتصادية طاحنة أدت إلى انهيار في سعر صرف الليرة أمام العملات الأجنبية وفي مقدمتها الدولار، ما أدى إلى ارتفاع كبير في أسعار السلع الأساسية ومواد الطاقة، ما أثر سلبا على حياة اللبنانيين، الذين فشل رئيس حكومتهم نجيب ميقاتي في إعلان تشكيلته الحكومية منذ مايو/أيار الماضي بسبب الخلافات السياسية.