من مانديلا إلى غاندي.. أحزاب «العظماء» تنزف شعبيا حول العالم
لطالما ارتبط عدد من الأحزاب حول العالم بأسماء تاريخية رنانة، غيرت واقع بلدانها وسجلت أسماءها في كتب التاريخ، لكنها تواجه حاضرا صعبا.
انتكاسات كبيرة تمر بها أحزاب "العظماء" حول العالم في الفترة الحالية، سواء كانت تحمل إرث المهاتما غاندي في الهند، أو نيلسون مانديلا في جنوب أفريقيا، ومارغريت تاتشر في بريطانيا، أو أنجيلا ميركل في ألمانيا.
جنوب أفريقيا وحزب مانديلا
البداية من جنوب أفريقيا، حيث أظهرت النتائج الرسمية للانتخابات التشريعية، خسارة حزب المؤتمر الوطني الأفريقي "حزب مانديلا"، الحاكم منذ ثلاثين عاما، غالبيته المطلقة في البرلمان للمرة الأولى في تاريخه.
ووفق النتائج التي أعلنتها اللجنة الانتخابية، حصل حزب المؤتمر الوطني الأفريقي على 159 مقعدا فقط من أصل 400، ما يشكل انتكاسة قاسية له بعدما كان يحظى بـ230 مقعدا في البرلمان المنتهية ولايته.
وتمثل هذه النتيجة نقطة تحول تاريخية بالنسبة لجنوب أفريقيا، حيث حظي حزب المؤتمر الوطني الأفريقي بالغالبية المطلقة منذ عام 1994، عندما نجح حزب نيلسون مانديلا في تحرير البلاد من نير الفصل العنصري وقادها إلى الديمقراطية.
وقال رئيس جنوب أفريقيا الذي يشغل أيضا منصب رئيس حزب المؤتمر الوطني الأفريقي: "لقد تكلم شعبنا، سواء أحببنا ذلك أم لا.علينا أن نحترم اختياراته".
وكان صيف 2021 قد شهد اضطرابات وأعمال نهب غير مسبوقة منذ ثلاثة عقود أدت إلى سقوط 350 قتيلا، ما أثر بشكل كبير على شعبية الحزب الحاكم.
وفي ثاني قوة اقتصادية في القارة، تطول البطالة ثلث من هم في سن العمل، خصوصاً الشباب، كما ترتفع نسبة الفقر ويتسع التفاوت، مع بلوغ نسبة الجريمة أرقاما قياسية.
لكن لا يزال حزب المؤتمر الوطني الأفريقي يحظى بالاحترام كونه حرر البلاد من الفصل العنصري.
حزب غاندي
من جنوب أفريقيا، إلى الهند، صاحبة قصة التحرر الاستثنائية على يد غاندي، إذ تترقب البلاد غدا الثلاثاء نتيجة انتخابات تشريعية ماراثونية دامت ستة أسابيع، وسط توقعات بفوز حزب «بهاراتيا جاناتا» بغالبية مريحة، وزعيمه ناريندرا مودي بولاية ثالثة رئيساً للوزراء.
في المقابل، تأمل المعارضة بقيادة راهول غاندي، زعيم حزب «المؤتمر» (حزب عائلة غاندي)، في تحقيق اختراقات في مناطق نفوذها، رغم تراجع حادّ في شعبية زعيمها، ابن الجيل الخامس من عائلة نهرو - غاندي التي حكمت البلاد لعقود.
وحكمت عائلة نهرو - غاندي الهند طوال 39 عاماً في أعقاب نيل البلاد استقلالها. إذ حكم جواهر لال نهرو الهند المستقلة على امتداد 17 عاماً، بوصفه أول رئيس وزراء للهند.
وجرى انتخاب إنديرا، ابنة نهرو، التي حملت لقب غاندي عبر زواجها من فيروز غاندي، رئيسة للوزراء من عام 1966 إلى 1977، ومرة أخرى عام 1980. ووصلت سنواتها في السلطة إلى نهايتها المأساوية، عندما قُتلت بالرصاص في 31 أكتوبر/تشرين الأول 1984 بالقرب من منزلها في نيودلهي.
فيما تولى راجيف، نجل إنديرا غاندي، مهام شقيقته بعد وفاتها، قبل أن يتم اغتياله عام 1991.
لكن حزب «المؤتمر» عانى لإيجاد خليفة له. وفي النهاية، تولى بي في ناراسيمها راو قيادة الحزب والهند بين عامي 1991 و1996.
وبعد خسارة حزب «المؤتمر» في الانتخابات الوطنية عام 1996، تولت سونيا غاندي - أرملة راجيف غاندي، قيادة الحزب.
وبين عامي 2004 و2014، دعمت سونيا غاندي الخبير الاقتصادي الذي تحول للعمل السياسي، مان موهان سينغ، في منصب رئيس الوزراء، وحرصت على إعداد ابنها راهول، ليخلفها في رئاسة الحزب، ويتولى منصب رئيس الوزراء مستقبلاً، لكنه عجز عن إعادة الحزب الغائب عن السلطة منذ 1996، للواجهة حتى الآن.
حزب تاتشر
تترقب الأوساط السياسية في بريطانيا الانتخابات العامة المبكرة التي ستنطلق في 4 يوليو/تموز المقبل، حيث تم بالفعل حل البرلمان رسميًا يوم الخميس الماضي، تمهيدًا لإجراء هذه الانتخابات، وسط توقعات بخسارة حزب المحافظين "حزب تاتشر" بعد 14 عامًا في السلطة.
وأظهر أحدث استطلاع للرأي بين البريطانيين، تدهور شعبية حزب المحافظين الحاكم إلى مستويات لم يسبق لها مثيل في تاريخ البلاد.
وذكر الاستطلاع الذي نشرته صحيفة “الغارديان” أن 14% فقط من البريطانيين الذين شملهم الاستطلاع أكدوا أنهم يؤيدون حزب المحافظين الحاكم، وهذا يعني أن نسبة تأييد الحزب انخفضت 5% بين البريطانيين خلال الشهر الأخير فقط.
وفي المقابل، أيد 53 % من المشاركين حزب العمال المعارض، وقال 11 % إنهم سيصوتون لصالح حزب الليبراليين الديمقراطيين.
ويقول مراقبون إن هذا التراجع مدفوع بتردي الأوضاع الاقتصادية، إذ أشار تقرير صدر مؤخرًا إلى تراجع وتيرة التحسن في مستوى المعيشة في بريطانيا منذ تولي حزب المحافظين مقاليد الحكم في عام 2010.
وقدّر معهد الدراسات المالية في بريطانيا أن الدخل الحقيقي المتاح للأسر نما بواقع 5.9 % فقط خلال الفترة 2009-2010، و2022-2023، وهذا أقل بكثير من نمو بواقع 30 % الذي كان متوقعًا حال استمرار الاتجاهات التي شهدها نصف القرن السابق على ذلك، بحسب ما أوردته وكالة “بلومبرغ” للأنباء.
وبشكل منفصل، وجد المعهد الوطني للأبحاث الاقتصادية والاجتماعية أن التراجع بواقع 7 % في مستوى المعيشة خلال الدورة البرلمانية الحالية هو الأسوأ منذ بدء التسجيل.
حزب ميركل وأديناور
إلى ألمانيا، حيث عانى الحزب الديمقراطي المسيحي الذي حمل رايته في السابق أنجيلا ميركل، وكونارد أديناور، في الانتخابات التشريعية التي جرت في خريف 2021، وترجل عن السلطة بعد 16 عاما من الحكم.
وبعد منافسة حادة ونسبة مشاركة مرتفعة، قاد المستشار الحالي أولاف شولتز، حزبه الاشتراكي الديمقراطي، لإلحاق هزيمة بالحزب الديمقراطي المسيحي بزعامة خليفة ميركل، أرمين لاشيت.
وعلى الفور، أقر المحافظون الألمان بخسارتهم المريرة في تلك الانتخابات التشريعية، وقرروا البقاء في المعارضة على المشاركة في حكومة ائتلافية يقودها شولتز، فيما انتهت الحياة السياسية لأرمين لاشيت.
وبعد مرور 3 أعوام من الانتخابات، عاد الحزب إلى الواجهة مجددا في ظل الأداء المخيب للآمال لحكومة شولتز، ويحتل صدارة استطلاعات الرأي بفارق مريح عن الأحزاب الأخرى.