الجزائر تتهم الأغاني ومواقع التواصل: مسؤولة عن هجرة الشباب
السلطات الجزائرية تتصدى لظاهرة الهجرة غير الشرعية عبر ملتقى ناقش فيه المختصون، خلال الملتقى، أسباب التزايد الهائل بهجرة الشباب الجزائري
انتبهت الجزائر مؤخراً إلى التزايد الكبير في عدد المهاجرين السريين منها باتجاه الشمال قاصدين أبواب أوروبا، ووصفتها بـ"الظاهرة المقلقة".
وللمرة الأولى، أعلنت الجزائر حالة استنفار عبر ملتقى وطني انطلق، السبت، حول ظاهرة الهجرة السرية، نظمته وزارة الداخلية الجزائرية، وشارك فيه قادة أمنيون وعسكريون وخبراء اجتماعيون واقتصاديون، تحت شعار "مستقبل شبابنا مسؤولية مشتركة".
وناقش المختصون في الملتقى المفتوح، خلال أول يومين من فعالياته، أسباب التزايد الهائل في السنوات الأخيرة لظاهرة هجرة الشباب الجزائري عبر البحر، أو كما تسمى في الجزائر "الحرقة"، وطرحوا جملة من الحلول لاحتواء الظاهرة.
تعدد الأسباب لهجرة واحدة
ومن بين ما أجمع عليه خبراء الاقتصاد والاجتماع المشاركون في الملتقى المنظم بالجزائر العاصمة، أن دراسة هذه الظاهرة تتسم بالتعقيد، خاصة مع مغادرة آلاف الشباب الجزائري في السنوات الأخيرة، وهلاك المئات منهم في عرض البحر المتوسط.
غير أنهم اختلفوا في تحديد أسبابها، وأرجعها مختصون إلى الظروف الاجتماعية والاقتصادية الصعبة التي تعاني منها الجزائر، والتي انعكست على الظروف الاجتماعية للشباب الجزائري، الذي "بات يبحث عن حياة أفضل بشتى الطرق، حتى وإن كانت نتائجها غير مضمونة"، بحسب قولهم.
إضافة إلى العراقيل الإدارية والمالية التي تواجههم في خلق مشاريعهم الصغيرة والمتوسطة، وارتفاع نسبة البطالة في البلاد التي قدرتها الحكومة الجزائرية بأكثر من 11% في 2018.
فيما اعتبر آخرون أن ظاهرة الهجرة السرية من الجزائر لم تقتصر على الشباب العاطل عن العمل، بل على "آخرين يعيشون ظروفاً جيدة لكنهم فضلوا بيع كل شيء وسلوك طريق الهجرة السرية"، على حد تعبيرهم.
وقدم خبراء أمثلة عن الشباب المستفيد من برامج دعم حكومية في السنوات الأخيرة، وقالوا: "عجزهم عن دفع ديونهم للبنوك المحلية دفعهم لبيع مؤسساتهم أو عتادهم ودفع أموال طائلة من أجل الهجرة عبر قوارب الموت نحو أوروبا".
شبكات التواصل والأغاني
بدوره، حمّل وزير الداخلية الجزائري نور الدين بدوي مواقع التواصل الاجتماعي والأغاني مسؤولية ارتفاع ظاهرة الهجرة السرية في الجزائر.
- الجزائر.. أكثر من مليون عاطل عن العمل ربعهم جامعيون
- 68 ألف حالة طلاق في الجزائر خلال عام واحد.. متخصصون يكشفون المستور
وقال في كلمة له أمام المشاركين في الملتقى: "مواقع التواصل الاجتماعي والأغاني لعبت دوراً كبيراً في الترويج وتغليط الشباب بأكاذيب وقصص منسوجة، مما تدفعهم لهذا المصير المجهول".
وأضاف: "ما زاد الأمر تعقيداً هي تلك الأغاني المحرضة التي يتم تداولها بين الشباب"، مشدداً على أن "الفن بكل صوره رسالة للحياة ورسالة للأمل، وليس كما تروج له تلك الأغاني التي تساهم في هذه الظاهرة".
وأشار "بدوي" إلى أن "الأغاني التي يؤديها بعض شبابنا تجدها مليئة بالإحباط، ولا يدرك أصحابها خطورتها"، متسائلاً: "كم روحاً تفقد بسببها؟ لذلك ندعوهم للتعقل".
وكشف وزير الداخلية الجزائري عن تحديد المصالح الأمنية "51 صفحة على مواقع التواصل الاجتماعي متخصصة في الترويج لهذه الظاهرة، كما تم تحديد عدد من مسيريها، وأنجزت ملفات قضائية ضدهم أمام العدالة".
وبلغ عدد المتابعين قضائياً بحسب الوزير الجزائري 344 متهماً في 2018، من بينهم 24 شخصاً أدينوا بالسجن النافذ "بتهمة تهريب البشر"، وكشف في المقابل عن فقدان 96 جزائرياً خلال رحلات الهجرة السرية عبر البحر في 2018.
ووصف وزير الداخلية الجزائري علاقة شبكات التواصل الاجتماعي بظاهرة الهجرة السرية بـ"الزاوية المظلمة التي أصبحت الفضاء المفضل لمنظمي رحلات الحرقة والترويج لخدماتهم واصطياد ضحاياهم من الأبرياء، متخفين وراء أسماء مستعارة على صفحات على الفيسبوك، تشمل مضامين تشجع على الهجرة السرية وتحرض الشباب عليها، وتقترح عليهم رحلات الموت المبرمجة مقابل مبالغ مالية معتبرة".
وخلال الملتقى، قدمت وزارة الداخلية الجزائرية وثيقة للمشاركين، أظهرت التزايد المستمر لظاهرة الهجرة السرية في الجزائر التي أدت إلى مغادرة مئات الشباب للبلد نحو مصير مجهول، وفق ما جاء في الوثيقة.
واعترفت الوزارة الجزائرية في الوثيقة بأن "الجزائر باتت اليوم أمام ظاهرة تبعث على القلق على جميع الصعد، التي تعددت أبعادها وأسبابها والتحليلات بشأنها، والتي تستدعي الاحتواء والاجتثاث، باتخاذ إجراءات سريعة وفعالة من طرف السلطات العمومية، وفتح نقاش واسع حول القضايا المرتبطة بها بصفة مباشرة وغير مباشرة".
واتهمت الوثيقة مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام المحلية في الجزائر "بتعقيد الظاهرة"، وبأنها كانت "سبباً في انتشارها خلال تداولها الواسع بطريقة غير لائقة، بشكل أصبح الموضوع مرادفاً لليأس والتشجيع على هذا الفعل، وهو ما ألحق الضرر بصورة بلدنا في الخارج".
وأشارت وزارة الداخلية الجزائرية في وثيقتها إلى "الإجراءات التي اتخذتها الجزائر في الألفية الثانية منذ ظهور أولى حالات الهجرة السرية لمواجهة الظاهرة واحتوائها".
غير أن الإحصائيات الرسمية في الجزائر وفي أوروبا، تكشف عن الارتفاع الهائل في عدد المهاجرين السريين نحو الضفة الشمالية في السنوات الأخيرة، آخرها ما كشفت عنه وزارة الدفاع الجزائرية عن إحباط 3983 محاولة هجرة سرية لجزائريين عبر مختلف سواحل البلاد.
واحتل الجزائريون المركز الخامس من حيث العدد الإجمالي للمهاجرين السريين إلى إسبانيا، ويمثلون "7%" من مجموع المهاجرين السريين الذين وصلوا إلى إسبانيا منذ بداية 2018 إلى أكتوبر/ تشرين الأول، وفاق عددهم 4 آلاف جزائري في 2018، وفق إحصائية للمحافظة السامية للاجئين في إسبانيا.
فيما فاق عدد الجزائريين الذين وصلوا إلى السواحل الإيطالية بطريقة غير شرعية في 2018 "ألف جزائري".
كما كشفت الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان (منظمة غير حكومية) عن ترحيل 534 جزائرياً من ألمانيا منذ الزيارة الأخيرة للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إلى الجزائر سبتمبر / أيلول الماضي، بعد أن وافقت الحكومة الجزائرية على استعادة 700 مهاجر جزائري من ألمانيا بشروط.
الدمج الاجتماعي والاقتصادي
وخلال الملتقى الوطني حول ظاهرة الهجرة السرية بالجزائر، قدم المختصون حلولاً لاحتواء الظاهرة، انصبت كلها في ضرورة "إدماج الشباب الجزائري اجتماعياً واقتصادياً"، من خلال "الإصغاء الجيد لانشغالاتهم وتطلعاتهم، وإلغاء نمط المركزية الاقتصادية".
ودعا مختصون إلى إعادة النظر في عمل هيئات تشغيل الشباب وإدماجها في آلية واحدة، بعد أن كشفوا عن النقائض الكثيرة التي تعترض عملها ولا تسمح بتوفير مناصب عمل دائمة.
واقترحوا "تحويلها إلى مؤسسات اقتصادية وكسر احتكارها من قبل الدولة"، إضافة إلى تقليص الضرائب المفروضة على مشاريع الشباب الاقتصادية والتجارية".