التأمل يفوق تأثير العقاقير في مواجهة الاكتئاب
التأمل يفوق تأثير العقاقير في معالجة الاكتئاب، نظرا لعدم وجود آثار جانبية له.. ماذا ينبغي عليك تحديدا للخروج من الأزمة بسلام؟
تعتبر تقنيات التأمل الشرقية وسيلة فعالة لمواجهة حالات الاكتئاب، وأثبتت النظريات الحديثة أن تأثيرها يماثل تأثير العقاقير، بل ويفوقها من حيث الإيجابية، نظرا لعدم وجود آثار جانبية له. وتقوم تلك التقنيات على محاولة إدراك كيفية عمل العقل والجسد والأشياء المحيطة بنا، من خلال تسليط تركيزنا على عملية الشهيق والزفير.
في بعض الأحيان تؤتي العقاقير الكيميائية ثمارها في مواجهة أعراض الاكتئاب، بيد أن الانقطاع عنها قد يؤدي لانتكاسة المريض.
يساعد التأمل المريض على تركيز تفكيره في حاضره، بدلا من الانشغال بالماضي والمستقبل، فهو باختصار وسيلة للتركيز على الـ"هنا والآن".
عندما يصاب الإنسان بالاكتئاب يكون أمامه خياران: إما الهروب من الواقع أو مواجهة مخاوفه بنفسه وبشكل مباشر.
فوائد التأمل كثيرة في حياتنا، ويوصي به الأطباء والمتخصصون وحتى رجال الدين، للتخفيف من ضغوط الحياة، كما أن التأمل له منذ القدم أهمية خاصة دينيا، والآن يحاول العلم الاستفادة من التركيز على فوائده لعلاج حالات الاكتئاب.
ويعد كتاب "طريقة زن لهزيمة الاكتئاب" من أحدث الأبحاث التي تناولت هذا الموضوع، حيث حاول من خلاله الدكتور فيليب مارتن، وهو أحد المتخصصين المعروفين في مجال علم النفس، إيجاد علاقة بين التأمل المعمول به في طريقة "زن" البوذية، وعلاج الاكتئاب النفسي.
وبحسب مارتن، الذي عمل سنوات طويلة كطبيب نفسي اجتماعي بمكتب الخدمات العامة لمدينة مينيسوتا الأمريكية، لا يعد الاكتئاب "مجرد علة تصيب الجسد والعقل فحسب، بل القلب كذلك"، فهي تدفعنا إلى هذه الهاوية من خلال إبراز واقع مغاير، ومخاوفنا الكامنة المدفونة وشكوكنا الداخلية.
ويتناول المؤلف في كتابه الاختيار الصعب الذي يواجهه الفرد حينما تظهر عليه بوادر الاكتئاب النفسي: هل يتهرب من الحقيقة أم يواجه مخاوفه بنفسه وبشكل مباشر؟ ويعتبر أن "زن" طريقة مثالية لعلاج الأمور في حال اتخاذ الاختيار الثاني.
كما يشير إلى أن "التأمل يتيح لنا فرصة للراحة، حيث نستريح من ضرورة التفكير في أنه يجب أن نفعل كذا، أو نكون كذا"، كما يؤكد على أن "الأفكار التي لدينا حول مفهوم القيمة والمنفعة، وبالمثل الميزة وعدم الأهمية، ليست سوى صفات يضفيها الإنسان على كل الأشياء الموجودة في الحياة"، وأننا "عندما نكف عن اللهاث وراء المكسب .. عندما نبحث عن الكينونة بدلا من الفعل، قد ننجح في اكتشاف قيمتنا الحقيقية".
وأعدت جامعة إكسيتر، بالمملكة المتحدة، بحثا آخر دعم أفكار مارتن، حيث أثبت أنه من الممكن في بعض الأحيان أن يسفر التأمل عن نتائج فعالة ضد الاكتئاب تتعدي بمراحل تأثير العقاقير.
ويعتمد الأسلوب العلاجي الذي أنتهجه الباحث ويليم كويكن في دراسته على بعض تقنيات التأمل البوذي الذي أطلق عليه "المداوة الإداركية القائمة على الوعي الكامل".
السعادة بالتأمل
ويقترح الخبير اللجوء للعلاج الطبيعي بدلا من العقاقير الكيميائية التي "تؤتي ثمارها حينما تؤخذ، وتؤدي إلى تقليص أعراض الاكتئاب، ولكن الانقطاع عنها قد يسفر عن انتكاسة".
ويشير الدكتور ويليم كويكن إلى أن التأمل يساعد المريض على تسليط تفكيره على الحاضر، بدلا من الانشغال بالماضي والمستقبل على اعتبار أنها وسيلة للتركيز على الـ"هنا والآن".
وللتوصل إلى تلك الخلاصة، قام كويكن بتقسيم عدد من الأشخاص ممن لديهم تاريخ طويل من الاكتئاب إلى مجموعتين، خضعت واحدة منهما للعلاج بالعقاقير الطبية والثانية لتقنيات التأمل على مدار 8 أسابيع.
وبعد شهرين، قام الباحث بقطع العلاج عن كلاهما لمدة 15 أسبوعا، فاكتشف أن 60% ممن تلقوا الأدوية المضادة للاكتئاب أصيبوا بانتكاسة مقابل 47% للمجموعة الثانية.
وهنا يؤكد كويكن أن تجاربه برهنت على أنه "عندما تتحسن حالة المريض، يحافظ التأمل على استقراره النفسي، كما أن هذه الوسيلة فعالة لنسبة كبيرة ممن يعانون من هذه العلة".
وتتثمل إحدى أبسط وأسهل تقنيات "زن" في الوعي بعملية الشهيق والزفير وتركيز الفرد في عملية دخول، وبقاء ثم خروج الهواء من الرئتين.
من جانبه يضيف أنخل بيرامو دي لوبي، الخبير بتقنيات التأمل ومدير مركز "الأوليبو زن"، أن على من يريد تجربة التأمل من خلال عملية التنفس أن يسلط تركيزه في كيفية سحب وخروج النفس عبر الأنف لمدة 10 دقائق، ويركز تفكيره كله في الشعور الذي يصاحب هذه العملية، ويحاول ألا يشرد.
"أشعر وركز في كمية الهواء الذي يخترق رئتيك وكيفية عبوره عبر الجهاز التنفسي، عند الشهيق والزفير.. تنفس واترك العنان لمعدتك، ودع الهواء يصعد رويدا رويدا حتى الترقوة. وإذا أدركت أن تفكيرك قد شرد لأن فكرة ما لفتت انتباهك، أعد الكرة من جديد"، على حد قوله.
ويوصي دي لوبي بتكرار العملية عدة مرات إذا لزم الأمر "إلى أن تكتسب القدرة على التركيز والبقاء على هذه الحالة، هذا التدريب يساعد على زيادة وعي الإنسان بجسده واللحظة الحاضرة".
وأخيرا يؤكد أهمية القيام بهذا التدريب كل صباح ومساء، ولمدة 10 أو 20 دقيقة، ولابد من وضعية جلوس مريحة وظهورنا مستقيمة.
aXA6IDMuMTUuMjE0LjE4NSA= جزيرة ام اند امز