أنهت التحولات السياسية بالجزائر المشوار السياسي لشخصيات كان لها باع طويل إما في المعارضة وإما في السلطة وإما بينهما، لكن بنهايات متباينة.
ولعل أبرز تلك الشخصيات علي بن فليس، الرئيس السابق لحزب "طلائع الحريات" المعارض والمرشح الرئاسي الذي تحدى بوتفليقة ثم طمح لخلافته بعد انسحابه، وكذلك لويزة حنون رئيسة حزب "العمال" المعارض التي انتهى مشوارها بـ"سحب الثقة" من أقدم معارضة سياسية في البلاد.
أما أسوأ السيناريوهات فكان من نصيب أحمد أويحيى رئيس الوزراء الأسبق والأمين العام الأسبق لحزب "التجمع الوطني الديمقراطي" الذي كان موالياً لحكم عبدالعزيز بوتفليقة ضمن التحالف الرئاسي إلى غاية ترشحه لولاية خامسة في 2019.
في 15 ديسمبر/كانون الأول 2019، فاجأ علي بن فليس رئيس حزب "طلائع الحريات" المعارض المتابعين بقرار "الاعتزال" ووضع حد لمشواره السياسي والانسحاب من الحياة السياسية بشكل كامل بعد نحو نصف قرن من النضال السياسي.
انسحاب بن فليس في سن الـ75 عاماً جاء عقب خسارته للمرة الثالثة في انتخابات الرئاسة، وفشله في قيادة الجزائر، بعد أن كان خصماً عنيدا لبوتفليقة في موعدين رئاسيين سنتي 2004 و2014، وكانت آخر مشاركة له في رئاسيات 12 ديسمبر/كانون الأول 2019.
المعارض الشرس والمحامي والحقوقي السابق، بدأ مشواره السياسي "يدا يمنى" لبوتفليقة غداة ترشحه للمرة الأولى في انتخابات الرئاسة في أبريل/نيسان 1999، ثم مديرا لديوان قصر "المرادية" الجمهوري، ورئيساً للوزراء، قبل أن يحدث الطلاق السياسي النهائي بين الرجلين نهاية 2003.
رئيس وزراء الجزائر الأسبق لـ"العين الإخبارية": نعيش أزمتي دستور وشرعية
واعتزال بن فليس، الذي كان محسوباً على الشخصيات السياسية الثقيلة في المشهد السياسي، وفق المراقبين، شكّل استثناء غير متوقع في بيت المعارضة، وسبّب حرجاً لجماعة الإخوان التي حافظت هي الأخرى على القاعدة من حيث تمسك عناصرها بالمناصب القيادية و"الزعامة الوهمية" على حد وصف المتابعين، ومنها من بقي جاثماً على صدور وأنظار الجزائريين لأكثر من 30 سنة كاملة.
وبالتوازي مع الهزات الأرضية التي ضربت الجزائر مؤخرا، هز حزب "العمال" المعارض، زلزال قوي عصف بكرسي السياسية لويزة حنون، بعد سحب الثقة منها.
هكذا علق متابعون على "الانقلاب الحزبي" ببيت لويزة حنون، التي تعد أقدم معارضة سياسية في البلاد، بعد أن قرر 400 مناضل وقيادي بالحزب سحب الثقة منها، معلنين نهاية مشوار أكثر السياسيات المثيرات للجدل بعد 31 سنة من قيادتها للحزب، لا سيما خلال فترة حكم بوتفليقة وتحولها من معارضة شرسة لنظامه إلى أحد المدافعين عنه.
أما السجن، فكأن أسوأ مصير لواحد من أكثر السياسيين تعميرا في المشهد، وهو أحمد أويحيى رئيس الوزراء الأسبق وأمين عام حزب التجمع الوطني الديمقراطي سابقاً.
أويحيى بحسب العارفين بطبيعة المشهد السياسي في الجزائر، لم يكن مجرد شخصية حزبية، بل من رجال السياسة الأقوياء والنافذين طوال أزيد من ربع قرن.
القضاء الجزائري يأمر بسجن أويحيى مؤقتا بتهم فساد
وعُرف عن الرجل دهاؤه السياسي وقدرته الفائقة على "فن الخطابة" التي لم ينافسه فيهما إلا الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة، حتى إن أويحيى لم يخف رغبته في خلافته بعد أن اقتنع بنهاية بوتفليقة سياسياً وصحياً وهو الذي كان الأكثر قرباً من محيط الرئاسة بين جميع السياسيين، كونه تولى منصب مدير ديوان الرئاسة مرتين ورئيساً للوزراء 5 مرات في عهد بوتفليقة.
أويحيى كان طوال الـ20 سنة الأخيرة من أبرز أركان نظام بوتفليقة ونواة التحالف الرئاسي الذي بقي داعماً له حتى آخر رمق من حكم الرجل المريض.
"حنون" رفضت الأمر الواقع الجديد، وأعلنت "دخولها في معركة" مع من وصفتهم بـ"العصبة" واتهمتهم بأنهم "دخلاء على الحزب استعملوا أختاماً مزورة".
غير أن الأمور تتجه بحسب مصادر من داخل الحزب إلى تثبيت عزل حنون سياسياً، خصوصاً بعد أن اتهمها خصومها بـ"المرافعة من أجل مرحلة انتقالية لا يأتي من ورائها إلا الخراب" .
لكن الأحداث أثبتت بأن من خان أويحيى كان دهاؤه في حد ذاته – بحسب تصريحات سابقة لخبراء لـ"العين الإخبارية" – عندما ساهم في إفاضة قطرة الغضب الشعبي من استمرار حكم رئيس مقعد للبلاد.
ومن شخصية نافذة إلى أروقة المحاكم وظلمات السجون ومكبلة اليدين، لم يكن يتوقع الجزائريون ذلك المصير المشؤوم لشخصية سياسية قوية تربّت وترعرعت في أروقة النظام منذ عهد الرئيس الراحل هواري بومدين (1965 – 1978).
فكان مصيره السجن لأزيد من 50 سنة بتهم فساد ثقيلة ومتعددة، بعد أن فتح القضاء الجزائري منذ مارس/آذار 2019 ما كان يعرف بـ"فضائح القرن" التي ورد في كثير من ملفاتها اسم أحمد أويحيى.
واكتشف الجزائريون بحسب الأحكام القضائية الصادرة ضده، تورط أويحيى في قضايا فساد رجال أعمال وولاة ووزراء سابقين، قبل أن يزيد دهشة وصدمة الشارع عندما أقر بـ"ببيعه سبائك ذهبية في السوق الموازية"، قال إنه "تلقاها هدايا من مسؤولين أجانب".