أردوغان وأكراد منبج.. هل تتدخل واشنطن لمنع مصير عفرين؟
تعد الخطوة الأمريكية بزيارة وفد عسكري لمنبج السورية دليلا على تصاعد نذر التوتر بين واشنطن وأنقرة.. فكيف ستكون المواجهة بينهما مستقبلاً؟
"مصيرها لن يكون مثل عفرين".. تصريحات تصدرت لقاء وفد عسكري وسياسي أمريكي مع حلفائهم من الأكراد والعرب في مدينة منبج في ريف حلب الشرقي بسوريا.
وقد اختارت واشنطن التحرك على الأرض لبعث رسائل طمأنة إلى حلفائها من الأكراد والعرب، من خلال تلك الزيارة، الخميس، في أعقاب الغزو التركي لمدينة عفرين وفرض قوات أردوغان سيطرتها "الكاملة"، الأحد الماضي.
وتعد الخطوة الأمريكية دليلا على تصاعد نذر التوتر بين واشنطن وأنقرة، التي اختارت تهديد أهل منبج السوريين بعملية عسكرية حال عدم انسحاب الأكراد من القتال الدائر بتلك المنطقة.
محطات الصراع
في يناير/ كانون الثاني من عام 2018، وقف أردوغان في اجتماع موسع لرؤساء فروع حزب العدالة والتنمية الحاكم، مهدداً بمواصلة زحفه لـ"تطهير منبج" ضمن العملية العسكرية التي يسميها "غصن الزيتون".
وقال أردوغان: إن الجيش التركي سيواصل عملياته "وصولا إلى الحدود العراقية حتى القضاء على آخر إرهابي"، وذلك رغم التحذيرات الأمريكية التي طالبته بالحد من خطواته العدوانية.
وتشكل منبج حلقة جدل بين الولايات المتحدة وأنقرة، بعد أن هددت الأخيرة، بضرورة سحب القوات الأمريكية من المدينة إن لم ترغب واشنطن في وقوع مواجهة مع الجيش التركي.
وتوجد قوات أمريكية في مدينة منبج مع وحدات حماية الشعب الكردية، التي تصنفها أنقرة منظمة إرهابية.
وسبق أن رد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على أردوغان، ودعاه إلى الحد من العمليات العسكرية في سوريا، حيث تشن قواته عدوانا على المقاتلين الأكراد المتحالفين مع واشنطن.
وتمادى أردوغان في مغامرته غير المحسوبة العواقب في سوريا، ليطلق تصريحات نارية خلال يناير/ كانون الثاني 2018، ضد حلفاء بلاده يتهمهم بدعم التنظيمات الإرهابية.
وخرج أردوغان بتصريحات نقلتها قناة "تي آر تي" التركية، قائلاً، آنذاك: "أمريكا تدعي أنها لا تدعم الإرهاب، ولكن الجميع يرى أنهم يدعمون كل الإرهابيين على حدودنا".
وأنذر القوات الأمريكية للانسحاب من منبج، التي يسيطر عليها تحالف بقيادة كردية مدعوم من واشنطن منذ استعادته من تنظيم داعش الإرهابي في عام 2016.
ومنبج بدروها تتاخم جزءا من شمال سوريا يسيطر عليه عناصر من المعارضة السورية المسلحة تدعمهم تركيا، بينما تقوم القوات الأمريكية بدوريات في المنطقة منذ نحو عام.
ويعلم أردوغان مدى القوة الأمريكية التي قد تضرب مصالحه حال استمراره بتهديد نفوذها، فقد طالبت تركيا الولايات المتحدة بمنع مقاتلي الأكراد السوريين من دخول عفرين، للتصدي لعدوان أنقرة، وذلك قبل فرض السيطرة "الكاملة" عليها، الأحد الماضي.
وفي تصريحات سابقة، حللت جونول تول، مديرة مركز الدراسات التركية في معهد الشرق الأوسط في واشنطن، المشهد قائلة: إن الهجوم التركي على منبج سيعرّض الولايات المتحدة لمعضلة كبيرة.
وأضافت: "إذا كانت إدارة ترامب تعتزم البقاء في شمال سوريا، فإنها تحتاج إلى الأكراد، ومن جهة أخرى، تركيا حليف للناتو، وربما تجبر على اختيار جانب".
وأشارت إلى أنه في الماضي، كان المسؤولون الأمريكيون يرفضون سرا تهديدات أردوغان المتكررة للهجوم على منبج باعتبارها لهجة خطاب تهدف أساسا للاستهلاك المحلي في تركيا، لكن السياسة الداخلية تعني أن مثل هذا الهجوم ربما يصبح حتميا.
وأوضحت أن "أردوغان تحدّث عن هذا كثيرا، وسيكون من الصعب عليه التراجع، حيث ينصب تركيزه الرئيسي على الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها العام المقبل، والمواجهة المكثفة مع واشنطن تعمل لصالحه سياسيا في الداخل".
رسالة الطمأنة الأمريكية
عقب دخول القوات التركية إلى عفرين بمعاونة الفصائل الموالية لها، الأحد الماضي، سادت المنطقة أعمال سلب ونهب وتدمير للتراث الفكري والثقافي، في الوقت الذي توعد فيه الأكراد أردوغان بالرد على عدوانه.
وتوعدت الإدارة الكردية في منطقة عفرين السورية، القوات التركية الموجودة في المنطقة باستراتيجية جديدة تتخذ أساليب الكر والفر (الأقرب لحرب العصابات) بديلا عن المواجهة المباشرة.
وقال عثمان شيخ عيسى، الرئيس المشارك للمجلس التنفيذي لعفرين في بيان نقله التلفزيون: "ستتحول قواتنا في كل منطقة من عفرين إلى كابوس مستمر بالنسبة لهم".
وأضاف عيسى: "قواتنا توجد في كل مكان من جغرافية عفرين. وستقوم بضرب مواقع العدوان التركي ومرتزقته في كل فرصة. هذا يعني أن إعلان النصر من قبل أردوغان وأزلامه لن يكون إلا ذر الغبار في عيون الرأي العام التركي والعالمي".
لتمر أيام قليلة وترصد تقارير صحفية زيارة وفد أمريكي إلى منبج، الخميس، فيما يشير عضو في مجلس منبج المحلي لوكالة الأنباء الألمانية، إلى أن هدف الزيارة يتمثل في "تقديم الدعم لأهالي مدينة منبج، والتأكيد على أن مصيرها لن يكون كمصير مدينة عفرين والدفاع عنها ضد أي هجوم خارجي لزعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة".
الوفد الأمريكي، الذي ضم اللواء جيمي جيرارد والسفير ويليام روباك، جاءت زيارته بعد تصريحات استفزازية انطلق لسان أردوغان بها كالعادة، تتعلق بأن القوات المدعومة من جيشه ستتابع عملياتها في الشمال السوري وصولاً إلى منبج وعين العرب "كوباني" ورأس العين والقامشلي لطرد «وحدات حماية الشعب» الكردية المنضوية ضمن «قوات سوريا الديمقراطية» التي تسيطر على منبج بدعم واشنطن.
وهو الأمر الذي يثير التساؤل عن مدى إمكانية وقوع صدام بين الولايات المتحدة وتركيا على الأراضي السورية.
وحاولت شبكة CNN الأمريكية الإجابة عن هذا التساؤل من خلال المقدم المتقاعد في الجيش الأمريكي، ريك فرانكونا، إذ قال: إن "منطقة شمال سوريا مرشحة لتكون موقعا لمواجهة كبيرة" بين أنقرة وواشنطن.
وفي مقابلة مع CNN، أجاب المحلل العسكري الأمريكي ردا على سؤال حول قراءته لعملية "غصن الزيتون"، بالقول "هذه المنطقة من الشمال السوري لم تكن منطقة جيدة لداعش، بل إن التنظيم طُرد منها منذ فترة، فلماذا تشن تركيا هذه العملية؟ هناك إجابة واحدة وهي: الأكراد".
منبج.. حلبة صراع سورية بين ترامب وأردوغان
وأشار إلى "قلق الأتراك الجدي" من "احتمال تأسيس الأكراد لمنطقة شبه حكم ذاتي في سوريا تشبه المنطقة التي يتمتع بها الأكراد في العراق"، مؤكداً أن هذا الأمر "يخشاه الأتراك بشدة".
واختتم تصوراته للصراع الدائر الذي أشعله أردوغان في المنطقة السورية، بسؤال يقول: "هل سيُسمح بتدمير القوة العسكرية الكردية على يد الجيش التركي؟"، وربما تكون الإجابة عنه هي ما ستحمله الأيام المقبلة من تطورات على الأرض.